حياتنا

تراجع أعداد الأبقار يهدد سوق الحليب بالمغرب ويثير مخاوف ارتفاع الأسعار


تسبّب التراجع الأخير في أعداد الأبقار والإبل بالمغرب بقلق متزايد لدى المهنيين والمواطنين على حد سواء، خاصة فيما يتعلق بسوق الحليب والمنتجات المرتبطة به. فقد أظهرت نتائج الإحصاء الوطني للماشية، الذي أنجزته وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، انخفاضاً بنحو 30٪ في أعداد الأبقار والإبل مقارنة بالمعدلات المعتادة. ويشير هذا التراجع بشكل خاص إلى نقص الأبقار الحلوب، التي كانت تُعد العمود الفقري لإنتاج الحليب، إضافة إلى تراجع عدد الإبل نتيجة سنوات الجفاف المتوالية.



وأكد الشريف الكرعة، رئيس اتحاد الغرب لتعاونيات الحليب سابقاً، أن هذا الانخفاض سيؤثر مباشرة على إنتاج الحليب المحلي، مع احتمال ارتفاع أسعاره في الأشهر المقبلة، مما يفاقم ضغوط السوق على الأسر المغربية. وأوضح أن أسباب هذا التراجع ليست مرتبطة بالجفاف أو تداعيات جائحة كورونا وحدها، بل تعود جزئياً إلى السياسات المتبعة في القطاع، مثل تطبيق نظام الكوطة على التعاونيات منذ 2013 واستبدال عمليات التجميع باستيراد "حليب الغبرة" الذي يحقق أرباحاً أكبر لشركات التصنيع، إضافة إلى غياب نظرة شمولية لمعالجة فائض الإنتاج من الحليب واستغلاله في تصنيع منتجات متنوعة كالجبن واليوغورت.

وأشار الكرعة إلى أن القطاع بقي محكوماً بسياسات تُغلق المجال أمام صغار الفلاحين، بينما يترك الشركات الكبرى تتحكم في السوق، ما يؤدي إلى تشديد أزمة العرض والطلب ويؤثر على الأسعار النهائية للمستهلك. وفي هذا السياق، دعا الخبراء إلى إعطاء أولوية لدعم التعاونيات الصغيرة وتسهيل مشاركتها في الإنتاج، بالإضافة إلى اعتماد حلول مبتكرة لتصنيع منتجات الألبان المختلفة والاستفادة من الفائض لتصديره، وهو ما من شأنه الحد من واردات الحليب الجاهز وتقوية الأمن الغذائي الوطني.

وبالإضافة إلى المشاكل الهيكلية في القطاع، تبرز أيضاً تأثيرات البيئة المناخية، حيث أدى شح الأمطار في بعض المناطق وتراجع الري إلى تفاقم صعوبة تربية الأبقار والإبل. ويؤكد خبراء الزراعة أن تعزيز البنية التحتية للمراعي وتحسين تقنيات التغذية والري يمكن أن يخفف من الضغوط على الإنتاج، لكن ذلك يحتاج إلى استثمارات ودعم فعلي من الدولة للقطاع الفلاحي الصغير والمتوسط.

في المقابل، يبقى المواطنون قلقين من ارتفاع أسعار الحليب والمنتجات المشتقة منه، وهو ما ينعكس على القدرة الشرائية للأسر، لا سيما أن الحليب يعتبر غذاء أساسياً في النظام الغذائي المغربي. وتستدعي هذه التطورات إعادة النظر في السياسات الفلاحية، لضمان توازن العرض والطلب، ودعم صغار الفلاحين في مواجهة تحديات الإنتاج والتقلبات المناخية، بما يضمن استقرار السوق ويحد من ارتفاع الأسعار في المستقبل القريب.

إن معالجة هذه الأزمة تتطلب تضافر الجهود بين الحكومة، القطاع الخاص، والتعاونيات المحلية، مع وضع خطط استراتيجية طويلة المدى لتطوير إنتاج الحليب وتعزيز الاستثمارات في القطاع، بما يحقق الأمن الغذائي ويحمي القدرة الشرائية للمواطنين، ويضمن استمرارية القطاع الحيوي الذي يعتمد عليه ملايين المغاربة في حياتهم اليومية.

بقلم هند الدبالي 

تراجع الأبقار، إنتاج الحليب، أسعار الحليب، الإبل، الأمن الغذائي، التعاونيات الفلاحية، المغرب، الجفاف، سياسة الكوطة، استيراد الحليب، القطاع الفلاحي، ارتفاع الأسعار، الصناعات الغذائية، الإنتاج المحلي، دعم صغار الفلاحين.





الأربعاء 27 أغسطس/أوت 2025
في نفس الركن