وتُعتبر تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج أحد الركائز الأساسية لدعم ميزان المدفوعات الوطني، إذ توفر سيولة بالعملة الصعبة تساهم في تمويل الاستهلاك المحلي، وتدعيم الأسر المغربية، وتعويض جزء من العجز في المبادلات الخارجية. ومع ذلك، لم تمنع هذه التحويلات اتساع العجز التجاري، الذي سجل ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 19.6% ليصل إلى 296.95 مليار درهم عند نهاية أكتوبر، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ويُعزى هذا التفاقم إلى ارتفاع فاتورة الواردات، التي تجاوزت 682.15 مليار درهم بزيادة قدرها 9.4%، بينما لم تتجاوز نسبة نمو الصادرات 2.6% لتصل إلى حوالي 385.2 مليار درهم. وتكشف هذه الفجوة المتنامية بين نمو الواردات والصادرات عن استهلاك يفوق الإنتاج المحلي، أو عن صعوبات تواجه الصادرات المغربية في الوصول إلى الأسواق الخارجية. ويرجع ارتفاع الواردات إلى عدة عوامل، من بينها ارتفاع أسعار المواد الأولية عالمياً، وتزايد الطلب المحلي على السلع المستوردة، بالإضافة إلى احتياجات الصناعة الوطنية من المعدات والتجهيزات.
ويظل التحدي الرئيس أمام صانعي القرار الاقتصادي في المغرب يتمثل في تعزيز تنافسية الصادرات وتنويعها، خصوصاً في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، والعمل في الوقت نفسه على ترشيد الواردات وتشجيع الإنتاج المحلي البديل. فالاعتماد المفرط على تحويلات الجالية لتغطية العجز التجاري يعرض الاقتصاد الوطني لمخاطر محتملة، خاصة في حال تقلبات الأسواق العالمية أو تراجع التحويلات في المستقبل.
وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى تطوير استراتيجيات هيكلية تستهدف تحسين ميزان المبادلات الخارجية، من خلال تشجيع الاستثمار في قطاعات منتجة مثل السيارات، والطيران، والصناعات الغذائية، والنسيج، فضلاً عن تعزيز الاستثمار في الطاقات المتجددة، الذي قد يسهم مستقبلاً في تقليص فاتورة الواردات الطاقية وتحسين توازن الاقتصاد الوطني.
مع اقتراب نهاية السنة، يترقب المراقبون الاقتصاديون الأرقام النهائية للعجز التجاري، مع متابعة دقيقة لتحويلات المغاربة بالخارج، التي تظل بمثابة “وسادة أمان” للاقتصاد الوطني، داعمة للسيولة وللقدرة على مواجهة أي صدمات خارجية محتملة. ويظل السؤال المركزي حول مدى قدرة الاقتصاد المغربي على تقليل اعتماده على التحويلات الخارجية من خلال تنمية الصادرات وتحقيق اكتفاء جزئي في القطاعات الحيوية