ويُنتظر أن يُنجز هذا المشروع في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تم توقيع عقد يمتد لثلاثين سنة مع ائتلاف مغربي-ياباني يضم شركة "ناريفا" المغربية وشركتي "هيتاشي" و"يوتوفو" اليابانيتين. هذه الشراكة لا تعكس فقط إرادة المغرب في جلب الخبرة الأجنبية، بل تعبّر أيضاً عن انخراطه في منظومة الحلول البيئية المستدامة التي تشكل رهاناً عالمياً لمواجهة تغير المناخ ومحدودية الموارد.
وتكمن أهمية المشروع في قدرته على تحويل النفايات الصلبة إلى طاقة كهربائية، وهو ما سيُمكن من الاستفادة من آلاف الأطنان من النفايات التي تُنتجها الدار البيضاء يوميًا كمورد بديل لإنتاج الطاقة، عوض تركها تتراكم في المطرح وتتحول إلى عبء بيئي. هذا التوجه سيساهم في تقليص الكلفة البيئية للمطارح التقليدية، والحد من انبعاث الغازات الدفيئة، فضلاً عن القضاء على مظاهر التلوث التي تؤرق سكان الأحياء المجاورة لمطرح مديونة.
ورغم أن مطرح مديونة كان يُعد لسنوات طويلة حلاً لتجميع نفايات الدار البيضاء الكبرى، إلا أن وتيرة النمو الديمغرافي والتوسع العمراني غير المسبوق في المدينة، جعلا هذا المطرح عاجزاً عن مسايرة الكميات المهولة من النفايات اليومية، حيث تتجاوز أحياناً 4000 طن. هذا الوضع أدى إلى تراكم النفايات بشكل غير صحي، وانبعاث روائح كريهة، وانتشار الحشرات والقوارض، بالإضافة إلى مخاطر تسرب العصارات السامة إلى باطن الأرض والمياه الجوفية.
وقد دقّ العديد من الفاعلين البيئيين ناقوس الخطر منذ سنوات، محذرين من الكلفة الصحية والبيئية التي يفرضها استمرار الاعتماد على مطارح مفتوحة. وتزايدت الأصوات المطالبة بإيجاد حلول جذرية ومستدامة، تأخذ بعين الاعتبار حجم النفايات وتنوعها، وتشجع على التدوير والطاقة البديلة. وفي هذا السياق، يأتي المشروع الجديد كمبادرة رائدة تحمل في طياتها أفقاً جديداً لتدبير المخلفات الحضرية، من خلال رؤية تدمج الاقتصاد الأخضر بالتنمية الحضرية.
من جهة أخرى، يُراهن المشروع على إحداث أثر اجتماعي إيجابي من خلال تحسين جودة العيش في الأحياء المحيطة بمطرح مديونة، التي عانت لسنوات من التهميش والتلوث. ومن المتوقع أن يخلق المركز الجديد فرص شغل مباشرة وغير مباشرة، ويساهم في إعادة الاعتبار للمجال البيئي، وتشجيع ثقافة الفرز وإعادة التدوير في صفوف السكان.
إن هذا المشروع لا يمثل فقط حلاً تقنياً لمشكل بيئي متفاقم، بل يشكل تحولاً في فلسفة تدبير المجال الحضري، ويعكس وعي السلطات المحلية والحكومة المغربية بضرورة الانتقال إلى نماذج أكثر استدامة. فمستقبل المدن الكبرى، وفي مقدمتها الدار البيضاء، أصبح مرهوناً بقدرتها على تطوير بنيات بيئية متطورة، والاستثمار في اقتصادي يُحوّل النفايات من عبء إلى مورد حيوي