كتاب الرأي

المغرب ومصر: شراكة متقدمة


ليست زيارة وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، إلى الرباط مجرد محطة بروتوكولية ضمن جولة مغاربية له شملت موريتانيا، بل هي لحظة سياسية لافتة تؤشر إلى تحولات جارية في منطق العلاقات العربية–العربية. فمصر والمغرب، برصيدهما التاريخي والرمزي، لا يدخلان زمنًا جديدًا من العلاقات فقط، بل يعملان على صياغة شراكة إقليمية تستحق أن تحتذى، كونها ترسم معالم تعاون نموذجي يقوم على المصالح المتبادلة، احترام السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، و كل ذلك برؤية استراتيجية بعيدة المدى.



بقلم: الدكتورخالد فتحي

هذه الزيارة حملت معها إشارات قوية، ليس فقط في لغة التصريحات، ولكن في مضمونها؛ حيث تم الإعلان عن تشكيل لجنة عليا للتنسيق والمتابعة برئاسة رئيسي الحكومتين، وبتوجيه مباشر من الملك محمد السادس والرئيس عبد الفتاح السيسي، في دلالة واضحة على رفع سقف التنسيق السياسي والاقتصادي بين البلدين.

لكن لفهم عمق هذا التقارب، لا بد من التوقف مليًا عند الثوابت التي تحكم علاقات البلدين. فـالمغرب ومصر يجمعهما تاريخ طويل من التضامن السياسي والثقافي، منذ عقود النضال من أجل التحرر، إلى دعم القضايا العربية المصيرية. وبقدر ما اتسمت العلاقة بالهدوء في بعض الفترات، فإنها ظلت دومًا قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل، وعلى إيمان مشترك بوحدة المصير العربي.

هذه العلاقة تتعزز على مستوى الشعوب أيضًا، حيث يُنظر إلى المصريين والمغاربة كامتداد لبعضهم البعض، تجمعهم الذاكرة الثقافية ووحدة التاريخ، وتبادل التأثيرات الفنية والفكرية، وروابط إنسانية متجذرة تتجلى في التعليم والسياحة والزواج المختلط، وفي الوجدان الشعبي الذي لا يرى في الآخر "جارًا" فقط، رغم ما يوجد من بُعد جغرافي، بل "أخًا".

وفي سياق التحولات الإقليمية، برز بقوة موقف المغرب الحازم والداعم لمصر في قضية نهر النيل، حيث اعتبرت الرباط على لسان وزير الخارجية ناصر بوريطة أن الأمن المائي لمصر ليس شأنًا محليًا، بل قضية أمن قومي عربي يجب أن تُحل بالحوار. وهو ما يُعيد الاعتبار لمبدأ التضامن الحقيقي، بعيدًا عن الشعارات، خصوصًا حين يتعلق الأمر بحق دولة عربية في مصدر حياة أساسي.

وفي السياق نفسه، لا يمكن إغفال ما ورد في تصريح وزير الخارجية المصري في الندوة المشتركة التي جمعته بوزير الخارجية ناصر بوريطة بالرباط حين أكد بوضوح أن "مصر مع مبدأ سيادة الدول ووحدتها الترابية". هذا الموقف ليس مجرد تأكيد على مرجعية قانونية أو دبلوماسية، بل هو ترجمة لموقف مصري متماسك يرفض أي نزعة انفصالية أو مشروع تفكيكي في العالم العربي. ومن هذا المنطلق، يُفهم أن دعم القاهرة للمغرب في قضاياه السيادية ليس موقفًا ظرفيًا، بل تعبير عن عقيدة مصرية و رؤية استراتيجية تعتبر أن المس بوحدة أي دولة عربية هو تهديد مباشر للأمن القومي العربي برمته.

اقتصاديًا، يُشكّل البلدان محورًا تكامليًا واعدًا: مصر بسوقها الواسعة وبُعدها الصناعي والزراعي، والمغرب بموقعه كبوابة إلى أوروبا وغرب إفريقيا، إضافة إلى خبراته المتقدمة في الطاقات المتجددة، واللوجستيك، والصناعات التحويلية. وإذا جرى تفعيل الاتفاقيات الموقعة سابقًا، وتنشيط الاستثمار المتبادل، يمكن لهذا المحور أن يتحول إلى نموذج إقليمي فاعل وناجح في محيط مضطرب وغير مستقر.

سياسيًا، لا تخفي القاهرة والرباط تقاطعهما في ملفات إقليمية حساسة، أبرزها القضية الفلسطينية، وأمن البحر الأحمر، والوضع في الساحل الإفريقي ومحاربة الارهاب . تبادل الدعم في المحافل الدولية، والتطابق في مواقف السيادة الوطنية، يعكسان مستوى ناضجًا من الفهم والعمل المشترك. بل يمكن القول إن العلاقة اليوم تتجاوز منطق التضامن الظرفي إلى مستوى التحالف العقلاني، المبني على احترام السيادة، والوعي بالتحديات العابرة للحدود.

وفي كل ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تحويل الإرادة السياسية إلى منجز ملموس، وتجاوز معيقات البيروقراطية، وتوفير بيئة حقيقية محفّزة للمستثمرين والفاعلين الاقتصاديين، لأن النجاح الدبلوماسي وحده لا يكفي ما لم يُترجم إلى واقع يلمسه المواطنون المغاربة والمصريون . إن ما تحتاجه المنطقة اليوم ليس مزيدًا من البيانات المشتركة، بل أمثلة واقعية على شراكات عربية قادرة على الصمود والابتكار، والتأثير الإقليمي المتوازن. وإذا نجح المغرب ومصر في تحويل تفاهمهما السياسي إلى مشروع متكامل، فإنهما سيكونان قد أسّسا لنموذج قد يُحتذى به في عالم عربي يفتقر إلى روافع استراتيجية حقيقية.

ربما لم يكن بدر عبد العاطي مجرد زائر رسمي للرباط، بل حاملًا لرؤية جديدة في الدبلوماسية المصرية، أكثر براغماتية، وأعمق وعيًا بقيمة التكتلات الثنائية كوسيلة للخروج من زمن التفتت العربي. وربما لم تكن الرباط في استقبال وفد مصري، بل كانت تحتفي بميلاد محور إقليمي عاقل، يتحدث لغة المصالح دون أن يتخلى عن المبادئ.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



السبت 7 يونيو 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic