كتاب الرأي

المغرب وإندونيسيا : حينما ترسم الدبلوماسية الناعمة مستقبل التحالفات الكبرى


انطلاقا من مكانته الراسخة كقطب للاستقرار الروحي والسياسي في إفريقيا، وبعد أن رسخ المغرب أقدامه كقوة سلام فاعلة عبر دبلوماسيته الدينية المعتدلة، تتجه بوصلته الاستراتيجية اليوم بثقة نحو آفاق جديدة في القارة الآسيوية.



بقلم : برعلا زكريا

 في خطوة تعكس نضجا ورؤية بعيدة المدى، لم يكن اختيار إندونيسيا كبوابة لهذا التوجه محض صدفة، بل هو قرار استراتيجي ذكي يستند إلى روابط تاريخية عميقة وقاعدة صلبة من القيم المشتركة، أبرزها تبني البلدين لنموذج الإسلام الوسطي المنفتح، وهو ما يجعل من هذا التقارب أساسا متينا لتحالف حضاري واعد.


غير أن بناء تحالفات استراتيجية بهذا الحجم، تفصل بين أطرافها آلاف الكيلومترات، لا يمكن أن يكتمل بالاتفاقيات الرسمية وحدها، بل يتطلب تجسير الفجوات الثقافية والمعرفية بصبر وحكمة. وهنا يبرز الدور المحوري للدبلوماسية الناعمة، التي أثبتت نجاعتها كأداة فعالة في بناء الثقة وتعميق التفاهم بين الشعوب.

وفي هذا السياق، يعتبر الانفتاح على الجامعات والمراكز البحثية الآسيوية الرهان الأمثل، حيث تشكل هذه المؤسسات حاضنات حقيقية لتبادل الأفكار وتكوين نخب مستقبلية تحمل رؤية مشتركة، وهو النهج الذي تتبناه القوى العالمية الكبرى لتعزيز إشعاعها الدولي.


ولعل أبرز تجسيد عملي وناجح لهذا التوجه في المغرب هو الدور الذي يلعبه مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية. فهذه المؤسسة الأكاديمية، التي تجسد حيوية البحث العلمي في الجامعة المغربية، تقوم بأدوار رائدة كانت لترصد لها وزارة الشؤون الخارجية، بشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أموالا باهظة لتحقيق أهداف التقارب مع دول مثل إندونيسيا.

والأكثر إثارة للإعجاب هو أن هذا الإشعاع يتحقق في ظل ميزانية تبقى متواضعة تخصصها الدولة للبحث العلمي مقارنة بالمحيط الإقليمي والدولي، مما يثبت أن الرؤية الاستراتيجية والكفاءة البشرية قادرتان على تحقيق نتائج تفوق التوقعات.


من هنا، فإن دعم مؤسسات مثل مركز إنماء يجب ألا ينظر إليه كهامش، بل كضرورة استراتيجية. فتمكين هذه المنارات الأكاديمية ليس مجرد تشجيع لمبادرة ناجحة، بل هو استثمار مباشر في مستقبل الدبلوماسية المغربية وفي بناء علاقات دولية مستدامة وعميقة. ونجاح هذا المركز هو شهادة حية على أن الجامعة المغربية، رغم التحديات، قادرة على إنتاج قيمة مضافة حقيقية وخدمة المصالح العليا للوطن بكفاءة واقتدار، ورسم ملامح الغد المشرق للعلاقات الأفرواسيوية.

المغرب، إندونيسيا، الدبلوماسية الناعمة، التحالفات الدولية، العلاقات الأفرواسيوية، الإسلام الوسطي





الخميس 25 سبتمبر 2025

              

تعليمات خاصة بركن «الرأي الحر / ضيوف المنبر / نبض القلم / بلاغات صحفية »
 
الغاية
هذا الركن مفتوح أمام المتصفحين وضيوف الجريدة للتعبير عن آرائهم في المواضيع التي يختارونها، شرط أن تظل الكتابات منسجمة مع الخط التحريري وميثاق النشر الخاص بـ L’ODJ.

المتابعة والتحرير
جميع المواد تمر عبر فريق التحرير في موقع lodj.ma، الذي يتكفل بمتابعة المقالات وضمان انسجامها مع الميثاق قبل نشرها.

المسؤولية
صاحب المقال هو المسؤول الوحيد عن مضمون ما يكتبه. هيئة التحرير لا تتحمل أي تبعات قانونية أو معنوية مرتبطة بما ينشر في هذا الركن.

الممنوعات
لن يتم نشر أي محتوى يتضمن سبّاً أو قدحاً أو تهديداً أو ألفاظاً خادشة للحياء، أو ما يمكن أن يشكل خرقاً للقوانين المعمول بها.
كما يُرفض أي خطاب يحمل تمييزاً عنصرياً أو تحقيراً على أساس الجنس أو الدين أو الأصل أو الميول.

الأمانة الفكرية
السرقات الأدبية أو النقل دون إشارة للمصدر مرفوضة بشكل قاطع، وأي نص يتبين أنه منسوخ سيتم استبعاده.


















Buy cheap website traffic