حياتنا

المغرب على حافة الغليان : احتجاجات متواصلة


تحت شمس حارقة تسير أقدام آلاف المواطنين من دواوير أزيلال نحو مقر العمالة، محملة بصبر سنوات من الإهمال والتهميش، كل كيلومتر يقطعه هؤلاء المشاة يروي قصة مدارس نائية ومستشفيات خاوية وبنى تحتية متهاوية، بينما تطفو في الواجهة التحضيرات الباذخة للمونديال. التناقض هنا صارخ : يبدو أن حكومة أخنوش مشغولة أكثر بالصورة الإعلامية التي تلمع بها إنجازاتها أمام العالم ، تاركة المواطن البسيط يعاني من ويلات يومية ، هذا المشهد يكشف زيف الخطابات الرسمية ويطرح سؤالًا بسيطًا : هل تحولت حقوق المواطن إلى ديكور جانبي يتذكره السياسيون فقط عند كل سباق انتخابي؟



في الأقاليم الجبلية، مثل أزيلال، تبدو الحكومة غائبة عن الواقع، الساكنة تجول مسافات طويلة مشيًا على الأقدام، رافعة شعارات تطالب بفتح مدارس قريبة من القرى ، توفير أطباء دائمين بالمستوصفات المحلية، وتحسين البنية التحتية. هذه المطالب ليست رفاهية، بل حاجيات أساسية تكفل كرامة المواطن. وفي الوقت الذي تتفاقم فيه هذه الأزمات المحلية، يبدو أن الدولة منشغلة بتحضيرات المونديال وتنظيم الأحداث الرياضية الكبرى، ما يخلق تناقضاً صارخاً بين أولويات الفئات الشعبية وبين الطموحات الفخمة للحكومة.
 

في قطاع الصحة، الأزمة أكثر وضوحاً، كما أبرزتها الأحداث الأخيرة في مستشفى الحسن الثاني بأكادير، حيث كشفت زيارات وزير الصحة، أمين التهراوي، عن اختلالات جسيمة في التجهيزات والمعدات، وضعف جودة الخدمات، وحالات وفاة نتيجة الإهمال والتقصير الإداري. رغم القرارات الأخيرة بإعفاء مديرة مديرية الصحة الجهوية ومدير المستشفى، يبقى السؤال مطروحاً: هل هذه الخطوات كافية لمعالجة أزمة متجذرة تعكس سنوات من التهميش ونقص الاستثمار في القطاع؟ واقع الأطباء الداخليين والمقيمين، الذين يشتكون من تماطل الوزارة في تنفيذ التزاماتها ويهددون بالتصعيد، يضيف بعداً آخر للتوتر، ويكشف عن فجوة عميقة بين السلطة التنفيذية وحق المواطنين في الرعاية الصحية.
 

الاحتجاجات لم تقتصر على القطاع الصحي، بل امتدت إلى التعليم العالي، حيث أعلنت النقابة الوطنية للتعليم العالي عن برنامج نضالي تصعيدي احتجاجاً على مشاريع قوانين تمس استقلالية الجامعة العمومية وتفتح الباب أمام خصخصة التعليم. النقابة تحمل الحكومة مسؤولية مباشرة في تعطيل الإصلاحات، وفي الوقت نفسه، تعكس هذه الاحتجاجات رفض الشباب والأطر الجامعية لتهميشهم واستبعادهم من أي حوار تشاركي. هذه الأحداث تجعل من تعليم المغرب، مرآة تعكس ضعف التخطيط وغياب العدالة الاجتماعية، في وقت ينفق فيه المغرب الملايين على استضافة بطولات رياضية عالمية.
 

التناقض الصارخ بين طموحات الدولة في تنظيم المونديال وبين الاحتياجات اليومية للمواطنين يظهر وكأن الحكومة تنظر بعينين مختلفتين؛ عين تبحث عن إشعاع دولي وأخرى تغض الطرف عن الفقر والمعاناة المحلية. بينما تتبارى المدن المغربية في تجهيز الملاعب وتحسين البنى الرياضية، يبقى المواطن البسيط محتجزاً في طوابير الانتظار، محروم من الحق في التعليم الجيد، والرعاية الصحية، والبنية التحتية الأساسية. هذا التناقض يعكس ضعف الرؤية الحكومية وتفضيل الأداء الرمزي على الاستثمار الفعلي في حياة المواطنين.
 

في مجمل الأمر ، لا يمكن اختزال الأزمة في مجرد احتجاجات موسمية أو تأجيلات إدارية. ما يحدث في المغرب اليوم هو إنذار قوي يوضح أن السياسات الحكومية بحاجة إلى مراجعة جدية، وأن أولويات الدولة يجب أن تتماشى مع حياة الناس اليومية وليس مع صور ومراسم المونديال. التحدي الحقيقي للحكومة الحالية، بقيادة أخنوش، هو تحويل هذه الاحتجاجات إلى فرصة لإصلاح جذري، والاعتراف بأن أي مشروع رياضي أو اقتصادي كبير لا يساوي شيئاً أمام أزمة المواطن اليومية في حقه في التعليم، الصحة، والكرامة


احتجاجات، المغرب، أخنوش، حكومة، اجتماعي، إضرابات، تعليم، صحة، بنية تحتية، توتر اجتماعي


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 18 شتنبر 2025
في نفس الركن