بقلم عدنان بنشقرون
أزمة ثقة أم غياب سردية؟
ليس جديدًا القول إن المواطن المغربي يشعر بالفتور تجاه السياسة. الأرقام المتعلقة بالمشاركة السياسية، والانخراط في الأحزاب، والتفاعل مع النقاش العمومي، كلها تؤكد تراجع الحماسة، خصوصًا لدى فئة الشباب. غير أن هذا التراجع لا يرتبط فقط بالأداء الحكومي أو إخفاقات البرامج، بل يتصل أساسًا بفشل الأحزاب في تقديم سردية سياسية تُقنع الناس، وتستنهض مشاعرهم، وتخاطب تطلعاتهم.
المواطن اليوم لم يعد يصدق الشعارات الجوفاء. إنه يبحث عن رؤية، عن قصة متماسكة تشبه واقعه وتمنحه الأمل في مستقبل أفضل. ومن دون هذا البُعد السردي الإنساني، تظل السياسة مجرد أدوات بلا روح، تنفر الناس بدل أن تقربهم.
السياسة بلغة التأثير لا بلغة السيطرة
في هذا الإطار، يمكن استلهام مفهوم "القوة الناعمة"، الذي ظهر أولًا في مجال العلاقات الدولية لوصف قدرة الدول على التأثير في غيرها من خلال الجاذبية الثقافية والقيمية، بدل الإكراه أو المصالح الاقتصادية. لكن هذا المفهوم يمكن تكييفه مع الفعل الحزبي أيضًا، إذ تستطيع الأحزاب أن تصبح فاعلًا ثقافيًا واجتماعيًا يملك جاذبية رمزية، وليس فقط آلة انتخابية تُستدعى كل خمس سنوات.
ما يعنيه هذا هو ضرورة تغيير أساليب الخطاب السياسي، وتبني خطاب إنساني يُعلي من قيم العدالة والكرامة، ويُبرز التحديات اليومية بلغة قريبة من المواطن، ويقترح حلولًا تحترم وعيه لا تستخف به. كما يقتضي تقديم وجوه سياسية جديدة تُجسد هذا التحول، بصدقها وتواضعها، وبقربها من هموم الناس.
الشباب: جمهور جديد بلغة جديدة
الجيل الجديد من المغاربة، الذي نشأ في بيئة رقمية حرة وسريعة، لم يعد منجذبًا إلى الأشكال الكلاسيكية للمشاركة السياسية. لكنه في المقابل يعبّر عن وعي سياسي بوسائل جديدة، من خلال منصات التواصل الاجتماعي، والمبادرات المدنية، والبودكاستات الحوارية، وحتى السخرية السياسية. هذه التحولات لا تعني العزوف، بقدر ما تعني البحث عن لغة جديدة، ومجالات تعبير بديلة.
لذلك، على الأحزاب أن تنصت لهذا التحول، لا أن تحتكره أو توظفه بشكل سطحي. فالقوة الناعمة تقتضي احترام هذا الجيل، وإشراكه في صياغة الخطاب، وفتح المجال أمام مبادراته بدل مصادرتها.
هل الأحزاب جاهزة للتغيير؟
رغم ما سبق، تبقى الإشكالية الأساسية في البنية الداخلية للأحزاب المغربية، التي لا تزال حبيسة الزعامات، وتعاني من مركزية القرار، وضعف التجديد في نخبها. كثير من الأحزاب تبدو اليوم كواجهات انتخابية أكثر منها فضاءات للنقاش العمومي أو الحركية الاجتماعية.
وحتى يتم تفعيل القوة الناعمة سياسيًا، يجب على هذه الأحزاب أن تعيد هيكلة ذاتها من الداخل، أن تفتح أبوابها للنخب الشابة، وأن تنتج رموزًا ثقافية وفكرية، وأن تنخرط في الحياة اليومية للناس لا فقط في موسم الانتخابات.
محطة 2026: اختبار للعمق لا للصناديق
الاستحقاقات المقبلة لن تكون فقط لحظة تنافس على المقاعد، بل امتحانًا حقيقيًا لقدرة الأحزاب على التجدد واستعادة الشرعية الرمزية. فمن سيفوز فعلًا هو من ينجح في إعادة بناء المعنى، في بث الأمل، وفي منح السياسة وجهًا إنسانيًا يعبر عن الجميع.
الرهان اليوم ليس فقط على من يصل إلى البرلمان، بل على من يستطيع أن يكون صوتًا للمواطن، لا عليه. من يتحدث معه، لا عنه. ومن يبني علاقة دائمة معه، لا موسمية