استهداف قطر وتحويل العدوان إلى تهديد إقليمي
أولى البيان الختامي أهمية خاصة للهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة يوم 9 شتنبر 2025، حيث اعتبره اعتداءً صارخا على السيادة الوطنية لدولة عربية ذات مكانة محورية. هذا التطور الخطير لم يقتصر أثره على الأضرار المادية والبشرية التي خلّفها، بل حمل دلالات سياسية واضحة، أبرزها محاولة إسرائيل معاقبة قطر على دورها النشط في الوساطات ومساعي التهدئة. وبذلك، لم يعد العدوان الإسرائيلي محصورا في فلسطين، بل أصبح تهديدا مباشرا للأمن الجماعي العربي والإسلامي.
وعبّر القادة عن إدانتهم المطلقة لهذا الهجوم، مؤكدين وقوفهم صفا واحدا إلى جانب قطر في مواجهة أي مساس بأمنها واستقرارها. كما شددوا على أن استهداف الدوحة يشكل سابقة خطيرة تهدف إلى تقويض أي جهد عربي أو إسلامي مستقل يسعى لوقف العدوان على غزة. وبالمقابل، زاد الهجوم من مكانة قطر الإقليمية كوسيط مؤثر، حيث أجمع المشاركون على أن هذا الاعتداء لن يضعف جهودها بل سيعززها باعتبارها طرفا ملتزما بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية والبحث عن حلول سلمية.
إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة
إلى جانب الهجوم على قطر، ركزت القمة على العدوان الواسع الذي تشنه إسرائيل ضد غزة والضفة الغربية، حيث خلّف آلاف الضحايا ودمر البنى التحتية بشكل ممنهج. وأكد البيان أن استهداف المستشفيات والمدارس ودور العبادة يشكل جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني. كما شدد القادة على أن هذه الجرائم تهدد الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين، وتفتح الباب أمام انفجار شامل يصعب التحكم في تداعياته.
ورأى القادة أن استمرار هذا النهج العدواني لا يمكن مواجهته إلا بموقف جماعي عربي وإسلامي موحد، يرفض كل أشكال التبرير أو الصمت الدولي. فالتنديد وحده لم يعد كافيا، بل يجب الانتقال إلى خطوات عملية تعزز الضغط على إسرائيل عبر المحافل الدولية، وتفرض عليها الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
الدعوة إلى تحرك دولي عاجل ووقف لإطلاق النار
حمّل البيان مجلس الأمن والأطراف الفاعلة في النظام الدولي مسؤولية التحرك العاجل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وضمان حماية المدنيين. وأكد القادة أن استمرار التردد أو ازدواجية المعايير لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة وإطالة أمد الصراع. ومن هنا، جاء التأكيد على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية آمنة ودائمة لإغاثة الشعب الفلسطيني.
كما طالب القادة الدول الكبرى بالتخلي عن سياسات الانحياز لإسرائيل، والعودة إلى مبادئ العدالة الدولية باعتبارها السبيل الوحيد لتجنب انفجار إقليمي أوسع. وأكدوا أن القانون الدولي لا يمكن أن يطبق بانتقائية، وأن حماية المدنيين الفلسطينيين واجب أخلاقي وقانوني على المجتمع الدولي بأسره.
دعم الوساطات الإقليمية والجهود الإنسانية
أشاد البيان بالجهود التي تقودها كل من مصر وقطر بالتعاون مع الأمم المتحدة في مجال الوساطات والتهدئة، معتبرا أنها تشكل مسارا ضروريا لتثبيت وقف إطلاق النار وإطلاق عملية سياسية جديدة. وأكد أن هذه المساعي تكتسب أهمية أكبر في ظل تصعيد عسكري يهدد بانهيار كامل للوضع الإنساني في غزة.
كما جدد القادة دعمهم لدور الأردن في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس ضمن الوصاية الهاشمية، وأشادوا بمبادرات المغرب بقيادة الملك محمد السادس في إطار لجنة القدس، معتبرين أن هذه الأدوار تعكس التزاما جماعيا بحماية الهوية العربية والإسلامية للمدينة، وتعزيز التضامن الإقليمي لمواجهة سياسات التهويد الإسرائيلية.
القدس والمقدسات خط أحمر
شدد البيان على أن القدس ستبقى في قلب الاهتمامات العربية والإسلامية، وأن أي مساس بالوضع القانوني والتاريخي للمسجد الأقصى والمقدسات المسيحية والإسلامية مرفوض تماما. واعتبر أن المحاولات الإسرائيلية لفرض التقسيم الزماني والمكاني هي خطوات خطيرة قد تشعل صراعا دينيا مفتوحا يتجاوز حدود المنطقة.
وأكد القادة أن الدفاع عن القدس لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم، بل هو قضية سيادية للأمة كلها. ودعوا إلى تفعيل جميع الأدوات السياسية والقانونية في مواجهة الاعتداءات المتكررة، والعمل على تعزيز الحماية الدولية للمدينة ومقدساتها في مواجهة سياسة التهويد الممنهجة.
رفض التطبيع وازدواجية المعايير الدولية
وجهت القمة رسالة حاسمة برفض أي خطوات تطبيع مع إسرائيل في ظل استمرار الاحتلال والاعتداءات. ورأت أن أي علاقات طبيعية تمنح الاحتلال شرعية مجانية، وتقوض الجهود الجماعية الرامية إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وفي المقابل، أدان القادة ازدواجية المعايير الدولية التي تتسامح مع جرائم إسرائيل بينما تدين انتهاكات أخرى في مناطق مختلفة من العالم. وأكدوا أن هذه السياسة تضعف مصداقية النظام الدولي وتشجع إسرائيل على الاستمرار في انتهاكاتها دون خوف من العقاب أو المحاسبة.
رؤية لإحياء عملية السلام العادل
إلى جانب المواقف الإدانـية، قدمت القمة رؤية لإحياء مسار السلام على أساس حل الدولتين وفق حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وأكد القادة أن هذا هو الحل الوحيد القادر على ضمان الأمن والاستقرار الإقليمي، وأن أي محاولات لطرح بدائل أو صفقات مجتزأة ستواجه رفضا جماعيا.
كما شددوا على ضرورة إطلاق عملية سياسية جديدة برعاية دولية متعددة الأطراف، مع وضع جدول زمني ملزم لإنهاء الاحتلال. وأكدوا أن السلام العادل والشامل لن يتحقق ما لم يحصل الفلسطينيون على كامل حقوقهم الوطنية المشروعة، وفي مقدمتها حق تقرير المصير.
تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة
حمّل البيان إسرائيل كامل المسؤولية عن تبعات استمرار عدوانها، محذرا من أن سياستها القائمة على الحصار والاستيطان والتطهير العرقي ستقود إلى انفجار شامل يهدد الأمن الإقليمي والدولي. وأكد أن إسرائيل، عبر ممارساتها، تعزل نفسها وتفقد أي مشروعية سياسية أو أخلاقية أمام المجتمع الدولي.
كما دعا القادة المحكمة الجنائية الدولية إلى تسريع تحقيقاتها بشأن الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، ومحاسبة المسؤولين عنها دون إبطاء. وطالبوا أيضا بوقف الدعم العسكري والسياسي غير المشروط لإسرائيل، باعتباره عاملا رئيسيا في استمرار الصراع وإطالة أمد المعاناة الإنسانية.
وحدة الصف العربي والإسلامي شرط أساسي
اختتمت القمة أعمالها بالتأكيد على أن وحدة الصف العربي والإسلامي هي الضامن الوحيد لمواجهة التحديات الراهنة. وشدد القادة على أن أي انقسام داخلي لن يخدم سوى الاحتلال، فيما يبقى التضامن الجماعي السلاح الأنجع للدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وثمّن المشاركون مبادرة قطر باحتضان هذا الاجتماع الطارئ، معتبرين أن القمة حملت رسالة سياسية قوية إلى المجتمع الدولي، مفادها أن القضية الفلسطينية ستظل في صدارة الأولويات، وأن العدوان الإسرائيلي لن يمر دون موقف جماعي موحد يستند إلى مبادئ العدالة الدولية وروح التضامن الإنساني