فن وفكر

القراءة في المغرب: تحديات الواقع وآفاق المستقبل


لا يختلف اثنان على أن القراءة تمثل ركيزة أساسية في بناء الفرد والمجتمع، فهي مرآة تعكس دينامية الأمم في مسار التنمية والتحول الحضاري. غير أن واقع القراءة في المغرب، رغم ما تحمله الخطابات الرسمية من آمال، لا يزال يواجه تحديات عميقة ومتعددة الأبعاد، تتداخل فيها عوامل اقتصادية، تربوية، وسوسيولوجية. فمؤشرات العزوف عن القراءة، خصوصًا في صفوف الشباب، تثير تساؤلات جوهرية حول مكانة الكتاب في المنظومة التعليمية والثقافية، وتدفع إلى إعادة تقييم المبادرات القائمة.



تشير التقارير والدراسات الميدانية إلى أن معدل القراءة الفردية في المغرب لا يزال ضعيفًا مقارنة بدول أخرى، سواء داخل العالم العربي أو خارجه. ويعود هذا الضعف إلى عدة عوامل، منها قلة المكتبات العمومية وضعف الإقبال على اقتناء الكتب بسبب الكلفة المرتفعة، بالإضافة إلى التحول الرقمي الذي غيّر من عادات التلقي والاستهلاك الثقافي. كما أن الدور المحوري للمدرسة في ترسيخ عادة القراءة تراجع بشكل ملحوظ، مما زاد من تعقيد هذا الواقع.

رغم هذه التحديات، شهد المغرب إطلاق عدد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز ثقافة القراءة داخل المجتمع. من بين هذه المبادرات، برز "المشروع الوطني للقراءة"، الذي يسعى إلى إحداث دينامية جديدة داخل المؤسسات التعليمية، وتحفيز المتعلمين على القراءة الحرة. يعتمد المشروع على مقاربة تشاركية تستهدف المتعلمين والمدرسين والمؤسسات عبر مسابقات، جوائز، وآليات تتبع. ورغم أهمية هذا المشروع، تبقى فعاليته مرهونة بمدى قدرة المدرسة المغربية على خلق بيئة محفزة للقراءة، سواء عبر تكوين المدرسين، أو تعزيز المكتبات المدرسية، أو دمج القراءة ضمن الممارسات التربوية اليومية.

في السياق ذاته، أفرز "تحدي القراءة العربي"، الذي أطلقته دولة الإمارات العربية المتحدة، حضورًا قويًا للمغرب. وقد برز عدد من التلاميذ المغاربة في مراتب متقدمة على مستوى العالم العربي، مما أعاد تسليط الضوء على الإمكانات الفردية الكامنة، وعلى الدور الذي يمكن أن يلعبه التحفيز والمنافسة في نشر ثقافة القراءة. ومع ذلك، يظل نجاح هذه التجربة مهددًا إذا لم تتحول القراءة من مجهود ظرفي إلى ممارسة مستدامة. فالاعتماد على الجوائز وحدها لا يكفي، ما لم تصاحبه سياسات ثقافية شاملة وبنية تحتية تدعم الكتاب وتُيسّر الوصول إلى المعرفة.

إن القراءة في المغرب ليست مجرد تحدٍ تربوي، بل هي رهان حضاري وثقافي يتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني. فالمقاربة الاحتفالية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تتحول إلى مقاربة مؤسسية دائمة تضع القراءة في صلب السياسات الثقافية. ويتطلب ذلك دعم الكتاب، وتوسيع نطاق المكتبات العمومية، وتوفير الكتب بأسعار معقولة، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار لدور المدرسة كفاعل ثقافي مركزي.

بين المبادرات الناجحة والمجهودات المبعثرة، يبقى السؤال مطروحًا: هل نملك في المغرب الإرادة الجماعية لتحويل القراءة من ترف نخبوي إلى فعل يومي يُعيد تشكيل وعي الأفراد وطموحات الأمة؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب رؤية شمولية تتجاوز الحلول الظرفية إلى سياسات مستدامة، تجعل من القراءة أولوية وطنية وممارسة مجتمعية راسخة.

في الختام، القراءة ليست فقط وسيلة لاكتساب المعرفة، بل هي أيضًا أداة لبناء مجتمع واعٍ ومتنور. ومن هنا، فإن الاستثمار في تعزيز ثقافة القراءة هو استثمار في مستقبل المغرب، حيث يمكن للكتاب أن يكون بوابة للتقدم والنهضة الحضارية.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 6 ماي 2025
في نفس الركن