فن وفكر

الفلسفة الإفريقية… نافذة جديدة يعبر منها القارئ العربي نحو الذات والكون


يمثّل صدور الترجمة العربية لكتاب «الفلسفة الإفريقية: التحرر والممارسة» للمفكر باسكاه مونغويني، بترجمة الدكتور محمد زكاري، حدثاً ثقافياً يوقظ أسئلة مؤجلة في الوعي العربي حول إفريقيا، وتاريخها الفكري، وشروط إعادة قراءة هذا التاريخ بعيداً عن العيون التي احتكرته طويلاً ووجّهته وفق منظورات غربية وانتقائية. فالترجمة هنا ليست نقلاً لغوياً فحسب، بل هي فعل مقاومة معرفية يعيد وصل القارئ العربي بجذور كانت قريبة جغرافياً وبعيدة معرفياً.



استطاع د. زكاري، بترجمته الرصينة، أن يفتح طريقاً كان شبه مهجور أمام حركة الفكر العربي، وأن يُعيد الاعتبار لصوت فلسفي ظل مهمّشاً داخل فضائنا الثقافي. لقد منحنا نصاً دقيقاً وسلساً، يتيح للقرّاء، باختلاف مستوياتهم، الاقتراب من عمق السؤال الفلسفي الإفريقي. ومن خلال دعم دار فلسفة والجمعية السعودية للفلسفة، تتأكد إرادة توسيع آفاق المكتبة العربية والانفتاح على تجارب فكرية ظلت لسنوات طويلة خارج بؤرة الضوء.

يرى مونغويني أن الفلسفة الإفريقية لم تولد في فراغ، ولا تُفهم إلا داخل سياقها التاريخي العميق، المجبول بتجارب الاستعمار والمقاومة والتحرر. لذلك فهي ليست تأملاً معرفياً مجرداً، بل مشروع لفهم الذات واستعادتها من بين طبقات السرديات التي فرضتها القراءات الغربية. يدعو المؤلف إلى تحرير العقل الإفريقي من التصورات الجوهرانية والنمطية، وإعادة بناء الذات من داخل التجربة الإفريقية نفسها بما تحمله من غنى وتعدد.

ويعيد الكتاب النقاش حول «الفلسفة الإثنية» التي أثارت جدلاً واسعاً منذ كتاب بلاسيد تيمبلز «فلسفة البانتو»، وصولاً إلى انتقادات بولين هونتندجي. ويقترح مونغويني موقفاً وسطاً يبتعد عن تقديس التراث كما يرفض القطيعة معه، مؤكداً أن التراث مورد معرفي قابل لإعادة القراءة والتنقيح والبناء.

كما يقدم المؤلف رؤية بانورامية لأربعة من أبرز مفكري الفلسفة الإفريقية المعاصرة. فديفيد ماسولو يرى الفلسفة فعلاً حيّاً يتشكل داخل الواقع ولا يقبل القوالب الجاهزة، بينما يدافع بولين هونتندجي عن فلسفة علمية مكتوبة ومنفتحة على النقاش العالمي دون الخضوع لإملاءاته. أما موجوبي راموسي فيعيد إحياء مفهوم «أوبونتو» الذي يضع الإنسان داخل شبكة علاقاته ويؤسس للأخلاق على قاعدة الجماعة والارتباط بالآخر. وفي المقابل، يمنح تسيناي سيريكيبيرهان للفلسفة بُعداً سياسياً وتأويلياً، بوصفها أداة لفهم أزمات ما بعد الاستعمار والعمل على تغيير الواقع.

وتتبلور رؤية مونغويني المستقبلية في تأكيده على مفهوم «أوبونتو» (أنا كائن لأننا كائنون) كقيمة إنسانية وجماعية يمكن أن تقدم للعالم تصوراً جديداً للعيش المشترك، بديلاً عن الفردانية التي توجه الحداثة الغربية. فالفلسفة الإفريقية، في عمقها، ليست مجرد خطاب معرفي، بل هي محاولة لنسج روابط إنسانية أكثر عدلاً وشمولاً.

بهذه الترجمة، يدخل القارئ العربي فضاءً فكرياً لطالما ظل مهمشاً، ويجد نفسه أمام أسئلة تتجاوز حدود إفريقيا لتطال الإنسان في كل مكان: ما معنى التحرر؟ كيف نبني ذواتنا من جديد؟ وكيف يمكن للفلسفة أن تعيد صياغة علاقتنا بالآخر والعالم؟

إنها دعوة لإعادة التفكير، وإعادة الاكتشاف، وإعادة النظر في تمثلاتنا عن جغرافيا الفكر وحدوده.

إذا رغبتِ في عنوان للمقال أو نسخة أقصر/أكثر رسمية، أعدّها لك فوراً.Suiviهل يمكن أن تتوسع في تفصيل النقاش حول المفكرين الأربعة؟يمكنك التعمق أكثر في رؤى أوبونتو؟هل يمكنك توضيح العلاقة بين الفلسفة الإفريقية ومفهوم التحرر؟

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 1 دجنبر 2025
في نفس الركن