أسرتنا

العنف الاقتصادي في العلاقات الزوجية: المال كأداة للسيطرة الصامتة


يظل العنف الزوجي مقصورًا في أذهان كثيرين على الاعتداء الجسدي أو اللفظي، إلا أن هناك أشكالًا أقل وضوحًا لكنها ذات تأثير بالغ، ألا وهي العنف الاقتصادي. هذا النوع من العنف يستهدف حرية واستقلالية المرأة المالية، ويحول المال إلى أداة للسيطرة والتحكم، مما يعيقها عن اتخاذ قراراتها والهروب من علاقة مؤذية.



جروح غير مرئية

تروي ماري، 42 عامًا، تجربتها الصادمة: «أظهر السعادة، لكنني أمثل، لا أحد يعرف ما أعانيه، حتى أطفالي البالغين 9 و16 عامًا.» فقد استولى زوجها، المدمن على القمار، على حساباتها البنكية، واستولى على أوراقها الشخصية، وتعاقد على قروض باسمها دون علمها. اضطرت ماري في النهاية إلى تقديم شكوى قانونية ضد سوء المعاملة الاقتصادية.

العنف الاقتصادي ليس دائمًا مرئيًا؛ فقد يظهر في السيطرة على الأموال، منع العمل، التحكم في المصاريف، أو فرض ديون غير مشروعة. كما يمكن أن يشمل حرمان المرأة من أوراقها الشخصية أو استقطاع معاشها دون رضاها. وتوضح مين غونباي، مديرة الاتحاد الوطني لدعم النساء، أن العنف الاقتصادي يشكل غالبًا أول مؤشر على السيطرة الزوجية، وهو أكثر أشكال العنف فتكًا بخطورة تأثيره النفسي والاجتماعي.

غالبًا ما يُستغل الأطفال كورقة للضغط على المرأة، حيث يُهدد الزوج بمنعهم من الخروج أو القيام بنشاطات ما لم تتبع الأم أوامر معينة. وتكون النساء في الفئة العمرية 36-45 عامًا الأكثر تأثرًا، بسبب القلق على استقرار أطفالهن. كما تعاني بعض النساء الأجنبية من ضغط مزدوج: اقتصادي وإداري، مما يزيد من صعوبة الخروج من دائرة السيطرة.

وتشير دراسة مشتركة بين Crédit Mutuel Alliance Fédérale وFNSF وIfop لعام 2024 إلى أن نحو ثلث النساء المتزوجات في فرنسا لا يملكن أي دخل مستقل، و23% لا يمتلكن حسابًا مصرفيًا شخصيًا، و44% لا يستطعن مغادرة المنزل دون مساعدة خارجية. هذه المعطيات تعكس مدى الاعتماد المالي القسري على الشريك، ما يطيل فترة التعرض للعنف.

كما تسعى جمعيات عدة إلى تقديم الدعم للنساء المعنفات، مثل تقديم أماكن إقامة طارئة وخدمات نفسية وقانونية، وإنشاء حسابات مصرفية سرية للنساء المعرضات للسيطرة الاقتصادية، وتضمين ضمانات خاصة في التأمينات لمساندة الضحايا. كما تم تطبيق نظام اقتطاع ضريبي فردي يضمن أن يكون كل زوج خاضعًا للضرائب على دخله الشخصي، خطوة نحو تحقيق عدالة اقتصادية أكبر.

ويؤكد الخبراء على أهمية الخطوة الأولى للضحايا، وهي إدراك أن ما يعانينه ليس خطأهن، ما يمنحهن القوة لمواجهة الواقع، وطلب المساعدة القانونية والاجتماعية لبناء مشروع حياة مستقل وآمن. ويشددون على أن تمكين المرأة ماليًا ونفسيًا واجتماعيًا لا يقل أهمية عن حمايتها من أي اعتداء جسدي، فاستعادة السيطرة على مواردها المالية هو أحيانًا مسألة حياة أو موت.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 24 نونبر 2025
في نفس الركن