حياتنا

العمرة: رحلة روحانية أم عادة اجتماعية؟


تُعد العمرة في الإسلام رحلة لتجديد العهد بين العبد وربّه، ومقامًا ترتقي فيه الأرواح فوق أعباء الدنيا وشهواتها، طلبًا للسكينة في رحاب بيتٍ أذن الله أن يُرفع ويُذكر فيه اسمه. غير أن هذه العبادة التي شرعت لتطهير النفس وتزكيتها ونبذ العنف، أصبحت اليوم في كثير من الحالات مختلطة بالمظاهر والعادات الاجتماعية، فبهت صفاؤها الروحي وقلّ حضور معناها الإيماني.



ويشير الباحث في الفكر والعقيدة الدكتور محسن اليرماني إلى أن العمرة رحلة إيمانية تعبدية، يرتقي فيها المعتمر إلى مدارج السالكين لتحقيق عبودية طاعة ومحبة لله تعالى، موضحًا أن الهدف من العمرة هو الانصراف عن هموم الدنيا والبحث عن قرب الله، بعيدًا عن أي غرض دنيوي أو مظاهر اجتماعية. وأكد اليرماني أن العمرة رحلة يتضرع فيها العبد إلى مولاه باكيا وخاشعا، فتصفو نفسه وتهدأ روحه، وهو ما يجعلها ممارسة سلمية تحقق الأمن الداخلي ونبذ العنف.

لكن الواقع يشير إلى أن بعض المعتمرين يخلطون بين العبادة والمظاهر الاجتماعية، فغلبت عليهم مظاهر الرياء والتفاخر، وتحولت الرحلة التعبدية إلى مناسبة للعرض والظهور، مع غياب المقصد الروحي، بحيث أصبحت العمرة عند كثيرين عادة لا عبادة.

من جانبه، أكد الباحث حمزة اليوسفي أن شعيرة العمرة من أعظم شعائر الله، وأن لها مقاصد عدة، منها إظهار العبودية لله، وتعظيم البيت الحرام، والتحقق بالتقوى من خلال تزكية القلب والنفس. وشدد على أن العمرة ليست مجرد أداء مناسك جسدية، بل هي فرصة لتطهير القلب والارتقاء بالروح، وإصلاح العلاقة مع الله ومع الرسول ﷺ.

ويشير اليوسفي إلى أن الأثر الحقيقي للعمرة يظهر في سلوك الفرد وأخلاقه وإيمانه، وليس بعدد مرات أداء الشعيرة أو الصور التذكارية التي يلتقطها المعتمرون. فالعمرة الحقّة هي رحلة روحانية تنقل المعتمر من عالم الدنيا إلى رحاب السمو الروحي، وتجعله أقرب إلى الله، بعيدًا عن المظاهر والرياء والكسب النفعي.

في النهاية، تبقى العمرة شعيرة عظيمة، لكنها بحاجة إلى وعي وفهم حقيقي لمقاصدها، بحيث يستفيد المعتمر من قيمتها الروحية والتربوية، بعيدًا عن الانحرافات المادية والاجتماعية التي قد تشوب هذه الرحلة المباركة.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأحد 16 نونبر 2025
في نفس الركن