أسرتنا

العطاء دواء خفيّ… كيف يؤثر عمل الخير على دماغك وحياتك؟


مع اقتراب مواسم الأعياد عبر العالم، يتراجع نسق الحياة السريع وتبرز قيم التضامن، والامتنان، وروح المبادرة. ورغم تباين العادات بين الشعوب، تؤكد أبحاث علم النفس الاجتماعي أن نزعة السخاء ليست مجرد تقليد احتفالي، بل جزء أصيل من طبيعتنا كبشر. ويشير المتطوعون أنفسهم إلى أن أعمال الخير تُقوّي الروابط الإنسانية وتمنحهم إحساسًا أعمق بالانتماء للمجتمع.



مواسم الاحتفال.. حين يستيقظ الحس الإنساني داخلنا

توضح سارة شنايتكر، الباحثة في علم النفس بجامعة بايلور، أن مشاعر الامتنان تُعدّ محرّكًا أساسيًا لدفع الإنسان نحو العطاء. وتقول إن “الشعور بالامتنان لما نملكه يقود تلقائيًا إلى فعل الخير للآخرين”. وترى أن العلاقة بين الامتنان والسخاء علاقة دائريّة تصاعديّة، تزداد قوّة خلال فترات الأعياد.

ثقافات متعددة.. وروح مشتركة
في الولايات المتحدة، يُعدّ موسم ما بين عيد الشكر ورأس السنة فترة الذروة في أعمال التطوع. لكن هذا النمط ليس حكراً على الغرب، إذ تقول فايش، المتخصصة في علم النفس التطوري، إن معظم الثقافات تحتفل بمناسبات تُتيح للناس التعبير عن امتنانهم بطرق جماعية. وتؤكد أن هذه الممارسات تعود لجذور عميقة في تاريخ الإنسان، الذي نجح في البقاء بفضل التعاون أكثر من القوة البدنية.

بين الأنانية والإيثار.. معركة داخل النفس البشري
ورغم كل ذلك، لا يخلو الإنسان من نوازع الأنانية. ويشير مايكل توماسيللو، أستاذ علم النفس بجامعة ديوك، إلى أن داروين نفسه لاحظ هذا التوتر الداخلي بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة. لكن علماء السلوك يؤكدون أن رؤية الآخرين يقومون بأعمال خيرية تُحفّز داخلنا الجانب الإيثاري، وتذكّرنا بقدرتنا على التأثير الإيجابي.

العطاء يمنح معنى للحياة
وفق جيني نيلسون من جامعة بريغهام يونغ، فإن العمل التطوعي لا يفيد المجتمع فقط، بل يمنح الفرد إحساسًا قويًا بالمعنى. وتشير إلى ما يُعرف بـ“نشوة المساعدة”، وهي دفعة من الدوبامين تمنح شعورًا بالسعادة الفورية، مقابل مكافأة أعمق وأطول مدى: استشعار أثرنا في العالم.

 قصص واقعية.. حين يتحول التطوع إلى أسلوب حياة
في موسم الأعياد تزداد حركة المتطوعين في بنوك الطعام ومراكز كبار السن. ويقول ألفريد ديل غروسو، أحد المتطوعين، إنه يشعر بارتباط أقوى بمجتمعه من خلال هذا العمل البسيط. أما ميا ثيلن، وهي ممرضة متقاعدة، فترى أن التطوع مع الصليب الأحمر "يمنح الوقت معنى، ويفتح بابًا للتعلم والاحتكاك الإنساني".

حتى المبادرات الصغيرة تصنع فارقًا كبيرًا
وتشير لارا أكنن، الباحثة في علم النفس الاجتماعي، إلى أن إرسال بطاقة معايدة أو رسالة بسيطة خلال الأعياد قد يكون له أثر عميق في تعزيز العلاقات. وترى أن الكثيرين يترددون في التواصل خوفًا من الإزعاج، لكن التجارب تؤكد أن المتلقين يعيشون لحظة إيجابية ودافئة عند تلقي هذه المبادرات.

 لماذا نُعطي أكثر في الأعياد؟
تجمع الدراسات أن الحس الإنساني يتعزّز في فترات الأعياد لأنها توقظ فينا الامتنان، وتعيد ربطنا بجذور التعاون التي بُني عليها وجودنا. وفعل الخير، سواء كان مبادرة بسيطة أو جهدا تطوعيا منتظما، لا يمنح السعادة فقط، بل يعمّق الإحساس بالمعنى ويقوّي النسيج الاجتماعي.




الأربعاء 3 دجنبر 2025
في نفس الركن