فن وفكر

الشعر و أصبع الإبهام


أرى أن الشعر، باعتباره نمطا من أنماط التعبيرالإبداعي و الجمالي، لا ينفك عن كونه إشكالا ضمن إشكالية اللغة عموما ـ نشأة وتطوّرا ـ عبر مراحل و عهود متعددة متسلسلة متمايزة و متواصلة جغرافيا و تاريخيا ؛ فتمفصلات التطور البشري الإنساني و درجات ارتقائه.. بقدرات عصبية فكرية نفسية و جسدية فسيولوجية حتى .. وتميزه عن كثير من الكائنات إنما مرده أساسا إلى قدرته على الكتابة و من ثمة قدرته على تدوين تفكيره و التعبير بالأثر المرئي عما خفي من بواطن



الأحاسيس و المشاعر، هذه القدرة على الكتابة قد فطر عليها الإنسان بمعنى أنها مخطوطة أو مكتوبة منذ زمن بعيد خلال إحدى الطفرات ـ إن لم نقل منذ البدء   ـ  في كتابه الجيني إذ يتجلى ذلك بوضوح تام عندما نتأمل كيفية تكوين ٱصابع يد الإنسان و الكيفية التي يتمكن بها من المسك و التحكم في الأشياء و إخضاعها لرؤاه الإبداعية فيتجلى السر أمام أعيننا متمثلا في أصبع الإبهام الذي تفتقر له الكائنات الأخرى.

أصبع الإبهام الآلة الغريبة و الفريدة التي كانت و لم تزل السبب العضوي المباشر وراء كل تطور و ارتقاء في حياة الإنسان؛ طبعا حين نتكلم عن أصبع الإبهام و عن القدرة على الكتابة و ما يترتب عن ذلك من نمو مطرد للذكاء و الفكر و الكلام و التصورات العقلية و النمو النفسي و العاطفي و وسائل الإتصال و التواصل و ما إلى ذلك من تأثير على تقوية روح الجماعة ومن ثمة القدرة على الزراعة و البناء و الصناعة و التنظيم و الإستقرار الإجتماعي و السياسي...وصولا إلى الأنساق الثقافية والحضارية، ضمنها يأتي موضوع الإبداع و الجمالية في التعبير، فالشعر إذن ضمن هذا الخضم الهائل من التطور المطرد و الطفرات المتتالية لا يخرج عن كونه جنس إبداعي متعدد الأبعاد تتداخل في إنتاجه.

ـ بالإضافة إلى اللغة و التجريد  و التصوير الإيحائي و الإيقاع و الموسيقى ـ تأثيرات السلف و رغبة الخلف في التجديد و التدافع و النزوع نحو التميز و التغيير تناغما في ذلك مع روح العصر و انسجاما للإبداع مع الأسلوب السائد قهرا، من قهر سنن التطور... التي تمارس قهرها علي الأفراد و الجماعات و الدول و الأنظمة و الحضارات بالتدخل في تغييرها أو استبدالها...

علي تونسي 
 

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 29 ماي 2025
في نفس الركن