أخبار بلا حدود

السيادة الرقمية بين الوعد والواقع: كيف تتحكم “نفيديا” وواشنطن في مشاريع الذكاء الاصطناعي العالمية؟


في وقت تتسابق دول العالم على بناء ما يُسمّى “ذكاء اصطناعي سيادي”، تكشف دراسة تحليلية للباحث إيفغيني موروزوف نشرها مجلة لوموند ديبلوماتيك عن مفارقة عميقة: مشاريع السيادة الرقمية تعتمد في جوهرها على شرائح ومعالجات أمريكية وشركات تهيمن عليها واشنطن و”وادي السيليكون”، مما يجعل مفهوم السيادة مجرد شعار يُتداول في الأسواق الدولية، لكنه يبقى مرهوناً بالقدرة الأمريكية على التحكم في العتاد والتمويل والقوانين.



في فرنسا، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون خطة استثمارية بقيمة 109 مليارات يورو في الذكاء الاصطناعي، بمشاركة صناديق سيادية وشركات كبرى. لكن جميع هذه الشركات تعتمد على وحدات المعالجة الرسومية “بلاكويل” من شركة نفيديا الأمريكية، المتصدرة عالمياً في سوق الشرائح المستخدمة للذكاء الاصطناعي. وفي المملكة المتحدة وألمانيا والشرق الأوسط وآسيا، تتكرر نفس المعادلة، إذ تُشتري الحكومات والشركات الشرائح الأمريكية، رغم سعيها الظاهري لكسر الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية.

ويشير موروزوف إلى أن استراتيجية نفيديا وأوبن إيه آي الاستثمارية تشبه مخططات مالية معقدة، حيث تُستخدم الاستثمارات الجديدة لتمويل العوائد السابقة، بما يعكس تبعية الدول والمستثمرين للنظام الأمريكي الرقمي. وتقديرات بنك “مورغان ستانلي” تشير إلى أن الإنفاق العالمي على مراكز البيانات قد يصل إلى 2900 مليار دولار بحلول 2028، بينما لا تملك الشركات الكبرى سوى 1400 مليار نقدًا، ما يضاعف الاعتماد على صناديق الاستثمار العملاقة مثل “بلاكستون” و”أبولو”.

من الناحية القانونية، فرضت واشنطن قيوداً صارمة على تصدير الشرائح المتقدمة ووسعت نطاق سلطتها القضائية لتشمل أي مكونات تدخل فيها برمجيات أمريكية، حتى لو صُنعت خارج الولايات المتحدة. قوانين مثل Cloud Act وForeign Direct Product Rule تمنح الولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى البيانات والسيطرة على الاستخدام، ما يجعل الحديث عن “سحابة سيادية” أو ذكاء اصطناعي مستقل في دول أخرى متناقضاً مع الواقع.

في المقابل، تحاول الصين تطوير مسار مختلف يقلل من الاعتماد على الشرائح الأمريكية، عبر تصنيع شرائح محلية وتشجيع نماذج لغوية مثل “DeepSeek”، لكنها ما تزال تعتمد جزئياً على مصانع خارجية مثل TSMC في تايوان. الفرق يكمن في الإرادة السياسية لتقليص التبعية، حتى لو تطلب ذلك مسارات تقنية واقتصادية معقدة.

ويشير موروزوف إلى أن “السيادة الرقمية” اليوم مرهونة مرتين: أولاً لمصنّعي الشرائح في كاليفورنيا، وثانياً لصناديق وول ستريت. وبينما تملك دول كثيرة القدرة المادية والتقنية لإعادة التفاوض، فإن غياب الاستعداد لتحمل كلفة الصدام مع القواعد الأمريكية يجعل خطاب السيادة الرقمية غالباً شعاراً بلا أثر حقيقي، فيما تتسع الفجوة بين الطموح والسيطرة الفعلية على خرائط القوة في الاقتصاد الرقمي العالمي.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 17 نونبر 2025
في نفس الركن