أسرتنا

الدخول المدرسي.. عبء يتضاعف على كاهل الأسر محدودة الدخل


مع اقتراب موعد العودة إلى المدارس، تنطلق لدى كثير من الأسر رحلة معقدة بين الحنين لمرحلة الطفولة وما تحمله من ذكريات، والقلق من التحديات الاقتصادية التي تصاحب هذه المناسبة السنوية. بالنسبة للأسر محدودة الدخل، يتحول الدخول المدرسي من مناسبة احتفالية إلى امتحان حقيقي للصبر والصمود، حيث يتقاطع الحنين إلى تعلم الأبناء مع شعور مزمن بالعجز أمام متطلبات الحياة المتزايدة.



الأولاد يستعدون بأحلامهم الصغيرة: دفاتر جديدة، أقلام ملونة، حقائب مدرسية مبهجة، وملابس جديدة تزين صباحاتهم الدراسية. أما الوالدان، فيعيشون صراعاً داخلياً بين الرغبة في إسعاد أبنائهم والقدرة المحدودة على الوفاء بكل هذه الاحتياجات. هنا يظهر تأثير الدخل المحدود بوضوح؛ إذ تتزايد المصاريف، وتتكاثر الأعباء، وتصبح القرارات المالية اليومية معقدة، أحياناً على حساب ضروريات أخرى من مأكل وملبس وصحة.

لكن التأثير لا يقتصر على الجانب المالي فقط. فالشعور بالعجز عن تلبية حاجيات الأبناء يترك أثراً نفسياً عميقاً لدى الوالدين، يغرس في نفوسهم إحساساً بالذنب والقلق المستمر. ويصبح هذا القلق مصدراً للتوتر، أحياناً يتحول إلى إحباط، حين يرى الأهل أقران أبنائهم مزينين بمستلزمات مدرسية جديدة، بينما يظل أبناؤهم عاجزين عن اقتناء بعض الحاجيات الأساسية. هذه التجربة النفسية تتغلغل في حياة الأسرة اليومية، وتؤثر على العلاقات الأسرية، فتكثر المشاحنات البسيطة، ويزداد الضغط النفسي، ويصبح الدخول المدرسي بمثابة اختبار للصبر والقدرة على التكيف.

ولعل الأكثر صعوبة، هو شعور الوالدين بأنهم عاجزون عن حماية كرامة أبنائهم، ذلك الشعور الذي يثقل على كاهلهم أكثر من أي عجز مالي. فالمال يمكن أن يُدخر أو يُستعان به، لكن العاطفة والكرامة لا تُقدر بثمن، والضغوط النفسية التي ترافق هذا الشعور تترك ندوباً صامتة في قلب الأسرة.

في مواجهة هذه التحديات، تحتاج الأسر محدودة الدخل إلى الدعم، سواء من المجتمع أو الدولة، من خلال برامج للمساعدات المدرسية، وتخفيض تكاليف اللوازم الأساسية، أو توفير تسهيلات للأسر الأكثر هشاشة. كما يحتاج الأبناء أنفسهم إلى التعاطف والتفهّم، ليشعروا بأن قيمة التعليم والمعرفة أكبر من قيمة الأدوات المدرسية التي يحملونها، وأن نجاحهم لا يُقاس بما يمتلكون، بل بما يحققونه من نمو شخصي وتقدم علمي.

الدخول المدرسي إذن، هو لحظة اختبار للأسر، فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، ومكان لتعليم الأبناء الصبر والقدرة على التكيف مع التحديات، لكنها أيضاً دعوة للمجتمع بأسره للوقوف إلى جانب هؤلاء الذين يحملون عبء التعليم على أكتافهم المتعبة، فتتحول هذه المناسبة من مصدر قلق إلى مناسبة للفرح والمشاركة والدعم المتبادل.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 16 شتنبر 2025
في نفس الركن