أسرتنا

التوازن الرقمي داخل الأسرة: كيف يواكب الأطفال والآباء عصر الشاشات؟


في عصر تتسارع فيه التحولات التكنولوجية، أصبحت الأجهزة الإلكترونية ووسائط الميديا الرقمية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للأطفال والآباء على حد سواء. ورغم الفوائد التعليمية والترفيهية لهذه الوسائط، فإن كثرة استعمالها أوجدت تحديات جديدة داخل الأسرة، تتعلق بتنظيم وقت الشاشة، حماية الخصوصية، والحفاظ على التواصل الأسري.



القلق الأسري: بين حماية الأطفال وحقهم في الاسترخاء
يشتكي الكثير من الآباء من رغبة أطفالهم المستمرة في مشاهدة المزيد من الحلقات أو اللعب بالأجهزة الإلكترونية، فيما يسعى الآباء إلى وضع حدود زمنية لضمان نوم الأطفال، ممارسة الرياضة، والانخراط في أنشطة متنوعة. يوضح أندريا جاتسكه، مذيع تلفزيوني وأب، أن القلق الأبوية غالبًا ما ينبع من الرغبة في تربية أطفال بصحة جيدة، لكنه يشير إلى أن الآباء أنفسهم مرتبطون بالشاشات أحيانًا، ما يعكس ازدواجية الموقف.

أما ماريا جوتز، خبيرة التربية الإعلامية، فتشير إلى أن الأطفال يحتاجون أحيانًا إلى الاسترخاء أمام الشاشة لتصفية ذهنهم والاستمتاع باللعب والضحك، مؤكدة أن المهم ليس فقط الوقت المخصص للشاشة، بل نوعية المحتوى الذي يشاهده الطفل. فالأطفال الذين شاهدوا برامج تعليمية مناسبة، مثل “شارع سمسم”، أظهروا لاحقًا تحصيلًا أفضل في المدرسة، مقارنة بمن شاهدوا محتويات أقل فائدة.

التوعية الإعلامية واكتساب مهارات الاختيار
تؤكد الخبيرة الألمانية أن تعليم الأطفال كيفية التوقف عن استخدام الوسائط، اختيار المحتوى المناسب، وفهم النوايا والخلفيات وراء البرامج والألعاب الرقمية، يشكل جزءًا أساسيًا من التربية الإعلامية. فتعلم تحديد نقطة نهاية للمشاهدة، التمييز بين المحتوى المفيد والضار، وفهم الإعلانات والترويج التجاري، يساهم في بناء وعي رقمي واعٍ.

كما يشدد جاتسكه على أهمية إشراك الأطفال في اختيار المحتوى، وتحويل مشاهدة الشاشة إلى نشاط عائلي، حيث يمكن للوالدين والأطفال تجربة محتويات مشتركة والتفاوض على ما يشاهدونه، بما يعزز مهارات الحوار والتنازل.

التوازن بين المراقبة والمرافقة
تؤكد جوتز أن القواعد الزمنية مفيدة، لكنها ليست الحل الوحيد، إذ يمكن للأطفال تعلم التوازن الذاتي بمرافقة الآباء، مثل تحديد أوقات محددة للشاشة، والابتعاد عن الهاتف أثناء الطعام أو الحوار العائلي. فالمفتاح هو القدوة والسلوك الواعي، حيث يوضح الآباء لأطفالهم كيفية التعامل مع الوسائط الرقمية بدلًا من فرض المنع الصارم الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

المهارات المستقبلية وأهمية التفاعل الرقمي
في عالم رقمي يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي، يصبح التعامل الهادف مع الميديا واكتساب المهارات الرقمية والشعور بالكفاءة الذاتية أمرًا بالغ الأهمية. ومن هذا المنطلق، يجب على الآباء أن يتحلوا بالفضول والاهتمام بما يفعله أطفالهم على الشاشات، ليس للسيطرة، بل للمرافقة والتوجيه.

ويشير الخبراء إلى أن الرقمنة جزء من حياة الأطفال اليومية، وأن التركيز على الجودة بدل الكم، المرافقة بدل المنع، والاختيار الواعي بدل الاستهلاك العشوائي، هو الطريق الأمثل لضمان نمو الأطفال بشكل صحي ومتوازن، مع الحفاظ على روابط أسرية متينة في عصر الشاشات.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 30 أكتوبر 2025
في نفس الركن