كتاب الرأي

الأعياد في حياة أبناء الطلاق: قراءة نفسية اجتماعية


في مجتمعاتنا العربية التي تعطي للأسرة مكانة محورية في تشكيل الهوية الاجتماعية، يبدو الطلاق حدثا تتجاوز آثاره حدود الزوجين لتمس الأبناء في عمق توازنهم النفسي الاجتماعي. ويظهر هذا التأثير بشكل خاص خلال المناسبات ذات الطابع الرمزي الجماعي، مثل الأعياد، حيث يجد الطفل نفسه وسط فرحة مشروخة، ومشاعر متضاربة، وتجارب نفسية يصعب عليه التعبير عنها أو فهمها.



بقلم: فؤاد يعقوبي، دارس لعلم النفس الاجتماعي في السياق المغربي

الطفل الذي ينتمي إلى أسرة مفككة لا يعيش العيد كما يعيشه أقرانه في أسر مستقرة. فالعيد بالنسبة له يصبح لحظة تأكيد مؤلم على غياب أحد الوالدين. حين يُطلب منه قضاء العيد مع والده أو والدته، فإنه لا يعيش فقط تجربة الفقد المؤقت، بل يدخل في دوامة من الأسئلة العاطفية الصامتة: هل يجب أن يكون سعيدا رغم غياب الطرف الآخر؟ هل يلام إذا شعر بالحزن؟ هل مسموح له أن يشتاق للآخر في حضرة من معه؟

هذا التمزق في المشاعر يعكس ما يسميه علم النفس الاجتماعي بتشظي الهوية الاجتماعية، حيث يفرض على الطفل أن يؤدي أدوارا متعارضة لإرضاء الجميع في سياق لا يسمح بتحقيق ذلك. في الأعياد، قد يتحول الطفل إلى وسيط عاطفي بين والدين منفصلين، وقد يُlثقل بأعباء رمزية تفوق سنه، كأن يشعر بأنه مسؤول عن توازن أحدهما أو عن مشاعره.

يختلف تعامل الآباء والأمهات مع هذه الوضعية. بعضهم يحاول تعويض الطفل بهدايا وخروجات ومظاهر فرح خارجية، معتقدين أن البهجة يمكن صناعتها عبر الأشياء. والبعض الآخر يسقط في فخ التنافس: من يقدم عيدا أجمل؟ من يحبه الطفل أكثر؟ في حين أن الطفل لا يبحث عن "عيد مثالي"، بل عن لحظة يشعر فيها بأنه ليس مقسوما، ولا مجبرا على اختيار أحد الوالدين ضد الآخر.

هذه الأساليب في التعامل، رغم أنها تبدو أحيانا حسنة النية، قد تكرس لدى الطفل شعورا بالذنب أو الولاء المزدوج، ما يضعه في موقع نفسي هش. فهو مضطر لإخفاء مشاعره، أو التصنع، أو الانسحاب، فقط ليحافظ على توازن هش في علاقة هو نفسه ليس مسؤولا عنها.

من منظور علم النفس الاجتماعي، ما يحتاجه الطفل فعلا هو فضاء آمن للتعبير، واعتراف صادق بمشاعره، وتعاون ناضج بين الأبوين في تنظيم الأوقات، دون استخدام العيد كأداة لتصفية الحسابات أو إثبات التفوق. حين يشعر الطفل بأنه مقبول ومحبوب لدى الطرفين، وأنه ليس مسؤولا عن اختيار أو انحياز، يمكنه أن يعيش العيد بروح أقرب إلى معناه الحقيقي: لحظة تواصل إنساني دافئ، لا مرآة لانقسام الأسرة.

إن فهم دينامية العيد في سياق الطلاق يتطلب منا إعادة التفكير في الأدوار الأبوية، ليس كسلطة أو كتعويض، بل كحضور عاطفي حقيقي. فالعيد، بالنسبة للطفل، ليس مناسبة للزينة أو الهدايا، بل امتحان عاطفي لصموده النفسي، ومدى قدرة محيطه على احتضانه دون شروط.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 6 يونيو 2025

في نفس الركن
< >

الخميس 5 يونيو 2025 - 14:39 مؤتمر الأنوار


              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic