مدخلات و مخرجات

الأستاذة ليلى عسراوي باحثة في علم الاجتماع جامعة محمد الخامس للعلم:


زيارة الأضرحة معتقد مغربي لطلب تحقيق الأماني والترويح عن النفس وقضاء الحوائج، ومعظم المغاربة لا يعوضون الدين بالأضرحة ودليل ذلك وجود المساجد في الاضرحة نفسها .



العلم: لحسن الياسميني

تعتبر زيارة الأضرحة والاعتقاد في الأولياء وكراماتهم من المعتقدات الأكثر شيوعا في الأوساط الاجتماعية  تكاد تغطي على التدين ، حول هذا الموضوع استقرأنا رأي الأستاذة ليلى عسراوي باحثة في علم الاجتماع جامعة محمد الخامس. فأدلت لنا بهذا  الحوار الأكاديمي حول ظاهرة الأضرحة .


س: يحج  الكثير من المغاربة  في مناسبات سنوية، وفي غير مناسبات إلى الأضرحة أملا في التبرك ، وتحقيق الأماني أو طرد الشرور واتقاء العين ، والحسد غير ذلك.
ما هو رأيكم  في هذه الممارسات؟


ج: قبل أن أجيب على سؤالكم ، اسمحي لي أن أعبر عن شكري لكم الأستاذ الياسميني على دعوتكم لي للمشاركة في هذا الملف حول الأضرحة بالمجتمع المغربي. كما أريد أن أوضح أيضا أن الباحث المغربي الذي أنتج أكبر عدد من الدراسات حول هذا الموضوع هو البروفسور عبد الغني منديب، الذي قرأت له العديد من الدراسات باللغات الثلاث العربية والانجليزية والفرنسية حول ما يسميه بزيارة الأضرحة، وآخر هذه الدراسات هي ما نشرة باللغة الفرنسية ضمن كتاب le Maroc au présent ،ولهذا فإن إجاباتي  ستكون لا محالة مستوحاة من قراءاتي حول الموضوع ، ومن ضمنها كتابات عبد الغني منديب .

بالفعل، كما تفضلتم بالقول، يمكن التمييز بين زمنين لزيارة الأضرحة: الزمن الأول هو زمن المواسم ، إذ أن كل الأضرحة الكبرى في المغرب لها مواسمها الخاصة ، التي يختلط فيها المقدس بالمدنس، وأقصد بذلك أن الزوار يحجون إلى هذه المواسم من أجل الترفيه والترويح عن النفس، وبالأخص بالنسبة للساكنة القروية ، حيث إن معظمهم لا يفوت الفرصة للدخول إلى مبنى الضريح وتقديم واجب الزيارة ، من أجل التبرك والاسترخاء النفسي من جراء استشعار الوجود في حضرة الولي دفين الضريح. كما يزور المغاربة الأضرحة من أجل قضاء حاجات خاصة ومحددة، كطلب الاستشفاء ، أو إبرام العهود والمواثيق ، أو التخلص من سوء الطالع أو غيرها .

 

س:يرى العديد من الفقهاء والسلفيين في  اللجوء إلى الأضرحة نوعا من الابتعاد عن الدين " الصحيح. إلى أي حد تصح وجهة النظر هذه ، وهل التوسل إلى الأضرحة  ليس شكلا من أشكال الدين ، أو بعبارة أخرى هل يمثل  هذا النوع من التدين الشعبي حقا ابتعادا عن الدين؟


ج:بالاستناد دائما لأبحاث عبد الغني منديب ، هناك بالفعل جدل حول هذه المعتقدات والممارسات المرتبطة بها من الناحية الدينية ، إذ أن هناك بالفعل بعض الفقهاء الرافضين لهذه الظاهرة ، الذين يرون فيها مجرد بدع لا تمت بأية صلة" للإسلام الصحيح" ، وعليه ينبغي منعها وتحريمها، في حين يرى فيها آخرون جزءا من التصوف المغربي الذي يمكن اعتباره تراثا لا ماديا . أما علماء الاجتماع وعلماء الإناسة  فإنهم يرون فيها تقاليد دينية محلية ، على غرار كل المجتمعات الأخرى التي لا تخلو منها كل الديانات الأخرى سواء التوحيدية منها أو غير التوحيدية .

 
س: هل يمكن في نظركم التمييز ، أو إن شئنا المفاضلة  بين التدين الشعبي، وبين الشعائر الدينية المعروفة  كالصلاة والصوم وغيرها؟


ج: لا قطعا، لا يمكن المفاضلة بين الاثنين، إذ أن معظم المغاربة يمارسونهما معا دون تمييز أو انحياز لجانب واحد، بدليل أن كل الأضرحة الكبرى تجاورها مساجد تقام فيها الصلوات الخمس، والبعض منها تقام فيها صلاة الجمعة، كما أنه في حدود علمي لا تعتبر زيارة الأضرحة من مبطلات الصيام .

وقد بينت بوضوح الدراسات التي أنجزها باحثون مغاربة ، أن هذا الفصل بين التقليدين الرسمي والمحلي ، هو فصل إيديولوجي  لا يوجد سوى في الكتابات الكولونيالية حو الإسلام في المغرب ، أو في بعض الكتابات الفقهية المتشددة . أما عدا ذلك فالمغاربة لا يجدون تناقضا بين التقليدين .

 
4-  لماذا يلجأ الناس في رأيكم إلى الأضرحة بدل الاكتفاء بالدعاء إلى الله ، أم أن هناك اعتقادا أعمق في الوالي المحلي القريب، وهل هناك موازاة بين هذه المعتقدات  والمعتقدات الدينية ، أو حتى إن شئنا المفاضلة بينها من حيث النجاعة أو الوظيفة؟


تبين الدراسات التي أنجزها الباحثون المغاربة حول الموضوع ،وأخص بالذكر أبحاث بول باسكون  وعبد الله حمودي ومحمد الطوزي وحسن رشيق وعبد الغني منديب وغيرهم ، أن الاعتقاد في بركة الأولياء لا يتناقض مع الاعتقاد في وجود الله ، بل على العكس من ذلك ، إذ يعتبر الأول مجرد اعتقاد ثانوي مكمل للثاني ، حيث يعتقد عدد كبير من الناس، كما هو معلوم، أن الأولياء لهم القدرة للتوسط لدى الحضرة الإلهية من أجل قضاء الحاجات وتلبية الرغبات .   

 

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 2 نونبر 2023
في نفس الركن