وفي هذا الإطار، قدمت أدلين هولين، رئيسة وحدة الثقافة المعلوماتية ووسائل الإعلام باليونسكو، خلال مشاركتها في جلسة رفيعة المستوى ضمن فعاليات قمة “بريدج 2025” بأبوظبي، رؤية شاملة حول الثقافة الرقمية التي تحتاجها المجتمعات. واعتبرت أن الشباب اليوم يشكلون قوة مؤثرة في المشهد الإعلامي الجديد، غير أن حضورهم الكثيف على المنصات لا يواكبه دائماً وعي كافٍ بالأمان الرقمي.
وتوقفت هولين عند نتائج استبيان عالمي يحمل عنوان “خلف الشاشات”، شمل خمسين دولة، وسلط الضوء على واقع قد يبدو صادماً: أكثر من 70 بالمائة من صناع المحتوى والشباب تعرضوا لمضايقات أو عنف رقمي أو أشكال من الكراهية، بينما أكد 62 بالمائة منهم أنهم لا يقومون بأي عملية تحقق من المعلومات قبل مشاركتها، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام إعادة إنتاج الأخبار الكاذبة وتغذية التوتر داخل الشبكات الاجتماعية.
وتطرقت المسؤولة الأممية إلى ضرورة تحرك مجتمعي شامل لمعالجة هذه الظواهر، معتبرة أن المسؤولية لا يمكن أن تبقى على عاتق المستخدم وحده. فالمؤسسات التعليمية، والأساتذة، وصناع السياسات، والفاعلون التكنولوجيون، جميعهم مطالبون بالمساهمة في خلق بيئة رقمية أكثر أماناً، تقوم على التوجيه، والتعليم، وبناء الكفاءات الرقمية.
ولم تغفل هولين الإشارة إلى دور الأسرة، مؤكدة أن الآباء يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان خارج دائرة الوعي الرقمي التي يتحرك فيها الأبناء. فالأطفال يواجهون محتويات متعددة ومعقدة خارج رقابة الوالدين، والعديد من الأسر لا تتوفر على المعرفة اللازمة لمواكبة ما يحدث على الإنترنت. ولهذا، تعمل اليونسكو على تطوير مبادرات موجهة للآباء تتضمن أدوات عملية وإرشادات مبسطة تساعدهم على فهم الفضاء الرقمي، وتشجيع الحوار مع الأبناء باعتباره خياراً أكثر نفعاً من الرقابة المشددة أو المنع.
وعرفت قمة “بريدج 2025”، المنظمة من 8 إلى 10 دجنبر بأبوظبي، مشاركة واسعة ضمت 430 متحدثاً من 45 دولة، من بينهم صناع محتوى بارزون، وخبراء إعلام وتكنولوجيا، ومستثمرون، وقادة ثقافيون وفكريون. وقد شكلت الجلسة التي تحدثت فيها هولين مساحة لطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الإعلام الرقمي، وأمن الفضاءات الرقمية، والدور المتنامي للشباب في رسم معالم المشهد العالمي الجديد.
وفي ختام مداخلتها، شددت ممثلة اليونسكو على أن بناء فضاء رقمي آمن يتطلب استراتيجيات بعيدة المدى، قائمة على التكوين والتربية والثقافة المعلوماتية، مشيرة إلى أن التحديات المطروحة اليوم ليست تقنية فقط، بل تربوية وقيمية أيضاً، وهو ما يفرض خلق وعي جماعي يضمن للمستخدمين، وخاصة الشباب، القدرة على الإبداع دون خوف أو تهديد