الإصلاح: خطوة نوعية للعدالة الجنائية المغربية وتقدم في حقوق الدفاع
من أبرز النقاط التي لقيت ترحيبًا في هذا الإصلاح هو تعزيز حقوق الأشخاص المشتبه فيهم، خصوصًا فيما يتعلق بالحق في الاستعانة بمحامٍ منذ بداية الحراسة النظرية. فقد ولّت الأيام التي تُترك فيها المشتبه فيهم دون مساعدة قانونية خلال الساعات الأولى من الاستجواب. من الآن فصاعدًا، يمكن لكل شخص تحت الحراسة النظرية، من الناحية النظرية، استشارة محامٍ منذ لحظة اعتقاله، وهو تقدم كبير يُعزز الحماية من أي ضغوط نفسية محتملة أثناء الاستجوابات.
كما وضع الإصلاح مراقبة أكثر صرامة للاعتقال الاحتياطي، وهو إجراء استُخدم بشكل مفرط في الماضي. ويقتصر الآن على الحالات الضرورية فقط، مع التركيز على أهمية تفضيل البدائل مثل المراقبة القضائية، والإفراج المشروط، والإقامة الجبرية. هذه الإجراءات تمثل أخبارًا طيبة لأسر المشتبه فيهم الذين غالبًا ما يجدون أنفسهم في وضع هش.
كما توسع نطاق الوصول إلى المساعدة القضائية للأشخاص غير القادرين على دفع أتعاب المحامين، في خطوة تهدف إلى الحد من الفوارق في الوصول إلى العدالة، وهو عنصر أساسي في بلد حيث يمكن أن تؤدي الأمية والفوارق الاقتصادية إلى فجوات كبيرة بين المواطنين وحقهم في محاكمة عادلة.
تعزيز حقوق الضحايا: خطوة إيجابية
لم يقتصر الإصلاح على حماية حقوق المتهمين، بل أخذ أيضًا بعين الاعتبار الضحايا، الذين يتمتعون الآن بحماية أفضل. من بين الإجراءات البارزة، توسيع حقوق ضحايا العنف، خصوصًا النساء والأطفال، الذين يمكنهم الآن الاستفادة من متابعة شخصية طوال مسار الإجراءات. بالإضافة إلى ذلك، سيحصلون على دعم نفسي وقانوني أفضل، من خلال إنشاء وحدات استماع ودعم متخصصة.
وتعزز الضمانات الممنوحة لضحايا الجرائم العنيفة، بما في ذلك العنف الأسري، من خلال إنشاء آليات دعم خاصة، تشمل حماية الشهود وتحسين اطلاع الضحايا على تقدم التحقيقات. وهذه خطوة مهمة في بلد غالبًا ما يُنظر فيه إلى العدالة على أنها آلية باردة وغير حساسة لمعاناة الضحايا.
انتقادات ومخاوف
رغم الطموح، لم يسلم الإصلاح من الانتقادات. يرى بعض المراقبين أنه قد يعيق مكافحة الفساد، خاصة فيما يتعلق بتقليص دور الجمعيات في إمكانية الترافع كطرف مدني في قضايا الاختلاس. إذ يشترط الفصل الثالث من القانون الجديد الحصول على إذن مسبق من وزير العدل، ما قد يخلق عائقًا أمام الشفافية والحكامة الرشيدة.
تلعب الجمعيات، خصوصًا تلك النشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان والشفافية، دورًا حاسمًا في كشف التجاوزات المالية. ومن شأن تقييد قدرتها على الترافع باسم الضحايا، بحجة «حماية المؤسسات العامة»، أن يُنظر إليه كإجراء قد يحد من الأصوات النقدية، خصوصًا في القضايا الكبرى التي يكون فيها الدولة طرفًا.
كما يبقى موضوع استقلالية القضاء وقدرة النيابة على التصرف دون تدخل سياسي محل تساؤل. فرغم أن الإصلاح يهدف إلى تعزيز سلطة الوكيل العام للملك، يرى بعض الخبراء أنه قد يفتح المجال لأنماط جديدة من التعسف وزيادة تسييس القضاء.
التحديات في التطبيق
يبقى التطبيق الفعلي للإصلاح أحد أكبر التحديات. لضمان فعالية الضمانات الجديدة، يجب أن يخضع جميع فاعلي النظام القضائي—القضاة، النيابة العامة، المحامون، ورجال الشرطة—لتدريب مناسب، وأن تتوفر لديهم الوسائل الكافية لتطبيق القانون. التأخير في تنفيذ بعض الإجراءات قد يكون له تأثيرات خطيرة على من ينتظرون أحكامًا في وقت معقول.
كما يجب أن تكون مراقبة الاعتقال الاحتياطي مستقلة وصارمة. ولتفادي أي تجاوز، يجب متابعة هذه الإجراءات قضائيًا باستمرار. ويجب أن تطبق البدائل للاعتقال الاحتياطي بشكل عادل، دون تمييز، وبإرادة سياسية حقيقية لتقليل الاكتظاظ في السجون.
إضافة إلى ذلك، يولي الإصلاح اهتمامًا بتحديث أدوات التحقيق، ما قد يزيد فعالية معالجة القضايا الجنائية، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى مخاطر تتعلق بالخصوصية وحقوق الأفراد، خصوصًا مع زيادة الاعتماد على المراقبة الرقمية والتفتيش الإلكتروني وجمع البيانات عبر الإنترنت، ما يستلزم وجود ضوابط تشريعية واضحة لحماية المواطنين من الانتهاكات.
يمثل إصلاح قانون المسطرة الجنائية خطوة هامة نحو تحديث العدالة المغربية، من خلال تعزيز ضمانات الدفاع، وتوفير حماية أفضل للضحايا، وتحديد قواعد صارمة للإجراءات الجنائية. ومع ذلك، تظل التساؤلات حول قدرة الدولة على ضمان استقلالية القضاء وشفافية الإجراءات قائمة. نجاح هذا الإصلاح سيعتمد على التطبيق الفعلي والالتزام بضمان استفادة جميع المواطنين من الحقوق الجديدة دون استثناء.
يقف المغرب عند مفترق طرق: إما فرصة لتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم، أو مخاطر تعزيز السيطرة والتعسف