آخر الأخبار

إصدار دليل وطني للتحري في ادعاءات التعذيب… خطوة جديدة نحو عدالة أكثر صرامة ومهنية


بدأت الجهود الوطنية لتعزيز آليات مواجهة التعذيب تأخذ مساراً أكثر تنظيماً خلال الأسابيع الأخيرة، بعدما تُوّج برنامج تكويني متخصص في الرباط بإصدار دليل عملي يستند إلى بروتوكول إسطنبول المراجَع، ويرتكز على منهجية دقيقة في التحري والتحقيق في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة. هذا العمل الجديد لم يأتِ فقط لسدّ فراغ تقني، بل ليوحّد الرؤية بين مختلف المتدخلين ويمنحهم أداة مرجعية تعتمد على المعايير الدولية والتشريعات الوطنية.



 

وجاء إعداد هذا الدليل ليعكس إرادة مؤسسات العدالة في المغرب لمواصلة الوفاء بالتزاماتها الدولية، خصوصاً ما يتعلق باتفاقية مناهضة التعذيب وآلياتها الأممية. وقد أكّد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، هشام بلاوي، أن البرنامج التكويني الذي سبق إصدار الدليل قد استهدف مئات المهنيين، من قضاة النيابة العامة والتحقيق والحكم، إضافة إلى ضباط الشرطة القضائية وموظفي السجون والأطباء الشرعيين. وأشار إلى أن نحو 428 مشاركاً استفادوا من دورات جهوية متخصصة، إلى جانب تكوينات تقنية لفائدة أطباء وخبراء.
 

ووفق ما أكدته رئاسة النيابة العامة، فإن هذا الدليل ليس مجرد توجيهات نظرية، بل أداة عملية تهدف إلى توحيد الممارسات المهنية وتعزيز الفاعلية في معالجة الشكايات المتعلقة بسوء المعاملة. كما يسعى إلى دعم الضمانات القانونية والقضائية المرتبطة بحقوق المتهمين، وتقوية التنسيق المؤسسي بين الجهاز القضائي والقطاع الصحي، خصوصاً في ما يتعلق بالدور الحاسم للخبرة الطبية في كشف الحقيقة.
 

ومن جانبه، أوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، منير المنتصر بالله، أن البرنامج التكويني مر بمرحلتين متكاملتين؛ الأولى ركزت على التعريف بالمعايير الدولية لمناهضة التعذيب، بينما تناولت الثانية تطوير خبرات الفاعلين في الطب الشرعي والرفع من قدراتهم في الاستجابة للحالات المعروضة عليهم. وأبرز أن إصدار الدليل يشكل تتويجاً لمسار طويل من تراكم الخبرات الوطنية والتفاعل مع توصيات الآليات الأممية التعاقدية وغير التعاقدية.
 

أما رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، فاعتبرت أن أهمية هذا الإصدار تكمن في كونه يترجم مقاربة قائمة على حماية الضحايا، وترسيخ مبادئ العمل الحقوقي القائم على كشف الانتهاكات دون تردد، ومتابعة المسؤوليات وفق القانون. وأكدت أن الدليل يتجاوز حدود تجميع الإجراءات، لأنه يشكل إطار عمل علمي دقيق يروم توثيق الآثار الجسدية والنفسية للتعذيب بشكل مهني ومتسق.
 

وفي الاتجاه نفسه، شدد المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، محمد الحبيب بلكوش، على أن تعزيز قدرات الفاعلين في مجال العدالة والطب الشرعي يظل مدخلاً محورياً لترسيخ الثقة في المنظومة القضائية. ودعا إلى استمرار التعاون بين المؤسسات لتتبع تنفيذ التوصيات الوطنية والدولية، بما يضمن انتقالها من إطار الورق إلى التطبيق الفعلي داخل الممارسة اليومية.
 

ومع صدور هذا الدليل الوطني، تبدو المملكة قد خطت خطوة إضافية نحو تكريس ثقافة مكافحة التعذيب، عبر بناء أدوات مهنية تستند إلى الطب الشرعي والقانون الدولي، وتسعى إلى حماية كرامة الأفراد وضمان نزاهة الإجراءات القضائية، في انسجام مع التزامات المغرب واستراتيجيته الحقوقية الطويلة الأمد


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 12 دجنبر 2025
في نفس الركن