حياتنا

أزمة ثقافية أم تقصير مؤسساتي؟ 73% من المغاربة غير راضين عن نظافة الأماكن العامة


في قلب المدن المغربية، من الأزقة المتواضعة إلى الأحياء الراقية، يتكرّر مشهد التدهور البيئي بشكل يومي، وكأن العطب لم يعد في البنية، بل في الوعي ذاته. نفايات مكدّسة عند زوايا الشوارع، علب معدنية مرمية في الحدائق، مقاعد عمومية مكسورة، وروائح خانقة تزكم الأنوف… هي بعض من مظاهر أزمة صامتة، تتجاوز الإهمال العرضي لتكشف عن اختلال ثقافي وسلوكي أعمق. دراسة حديثة للمركز المغربي للمواطنة تكشف أن 73,5% من المغاربة غير راضين عن نظافة الفضاءات العامة، ما يعكس حالة من الاستياء الواسع حيال ما يُفترض أنه ملك جماعي.



الحدائق، التي من المفترض أن تكون المتنفس الحضري لساكنة المدن، أصبحت بدورها عرضة للتخريب والتهميش، حيث يرى 66,8% من المستجوبين أنها مهددة بشكل مستمر. أطفال دون ألعاب، مقاعد بلا ألواح، وممرات تعجّ بالبلاستيك والزجاج المهشم… إنها صورة قاتمة لمرافق عامة تفقد معناها مع كل يوم يُضاف إلى رصيد الإهمال. وتُظهر الأرقام كذلك أن 69,8% من المواطنين يعتبرون أن التجهيزات مثل كراسي الانتظار، والمراحيض العمومية، وحتى صنابير الماء، تتعرض للإتلاف أو السرقة دون تدخل رادع.
 

واحدة من الإشارات المقلقة أيضًا ترتبط بمسألة التدخين في الأماكن العامة، حيث عبّر نحو نصف المستجوبين (49,8%) عن قناعتهم بأن القوانين المانعة للتدخين لم تعد تحظى بأي احترام فعلي. سجائر تُشعل داخل الحافلات، وفي المراكز الصحية، وحتى داخل المدارس أحيانًا، ما يكشف عن تآكل شبه تام لفكرة الردع أو احترام الفضاء المشترك.
 

غير أن هذه المظاهر لا تُعبّر فقط عن قصور في السلوك الفردي، بل تنم عن أزمة أوسع، تتعلق بمفاهيم الانتماء والمسؤولية الجماعية. هناك من لا يرى في الشارع سوى أرضٍ لا تخصّه، أو "ملك الدولة"، وبالتالي لا تستحق العناية. وهناك من يعتبر أن الحفاظ على البيئة هو مسؤولية "البلدية فقط"، فيما تتوارى تربية المواطنة خلف أولويات يومية أكثر إلحاحًا.
 

غياب السياسات التحسيسية طويلة المدى، وتراجع دور المدرسة في غرس ثقافة البيئة، وعدم توظيف الإعلام العمومي في هذا المسار، عوامل ساهمت في تعزيز هذا التراخي. الحملات التحسيسية التي أُطلقت في بعض المدن لم تتجاوز حدود المناسبات أو الشعارات، بينما فشلت في خلق سلوك جماعي متماسك يجعل من احترام المكان أمرًا بديهيًا لا يحتاج إلى رقابة.
 

وفي هذا السياق، يصبح الحديث عن البيئة في المغرب مرادفًا للحديث عن الأخلاق الاجتماعية. فهي ليست فقط قضية قانون يُمنع أو يُنفّذ، بل نمط حياة يجب أن يُبنى على القيم: احترام الآخر، الشعور بالواجب، والرغبة في العيش داخل فضاء نظيف وإنساني. حين يرمي أحدهم كيسًا من النفايات من نافذة السيارة، أو يتغاضى آخر عن طفل يدوس على العشب، فذلك يُشير إلى فشل مجتمعي في التربية البيئية أكثر من كونه سلوكًا فرديًا شاذًا.
 

المسؤولية إذن مشتركة: المواطن مسؤول عن سلوكياته، والمؤسسات مسؤولة عن توفير البنية والقدوة. الإصلاح لن يتحقق عبر البلاغات الرسمية أو الإعلانات التلفزية فحسب، بل عبر إعادة بناء علاقة المواطنين بأحيائهم ومدنهم، وتربية أجيال تؤمن بأن المكان النظيف امتداد لكرامتهم، وليس خدمة مجانية من الدولة.
 


الفضاء العام، المغرب، البيئة، النفايات، الحدائق العمومية، العنف البيئي، تدخين في الأماكن العامة


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 6 يونيو/جوان 2025
في نفس الركن