بقلم عدنان بنشقرون
السياسي في موقعه الطبيعي يفضل المديح أو الصمت الإعلامي، ويتضايق من التحقيقات الصحفية الجادة التي تكشف مواطن الخلل في قراراته أو إدارته. من جهته، يشعر الصحفي بالاستهداف حين يُقاضى أمام القضاء بسبب ما يكتبه، ولو كان في إطار مهني صرف، ويعتبر ذلك مسا بكرامته أو محاولة لإسكاته. لكن في نهاية المطاف، لا السياسي معصوم من النقد، ولا الصحفي فوق المحاسبة.
في دولة القانون، تُربط المسؤولية بالمحاسبة. والسياسي مسؤول عن قراراته أمام الرأي العام، والناخبين، وأمام القانون أيضاً. وبالمثل، فإن الصحفي مسؤول عن ما ينشره، وعن التحقق من صحة المعلومات التي يقدمها، وعن الصياغة النزيهة والتوازن المهني في تعليقاته وتحليلاته.
وحين يتعرض مسؤول سياسي لاتهامات علنية في وسائل الإعلام ـ خصوصاً إذا تعلّقت بالفساد أو انعدام النزاهة ـ ولا يرد بأي شكل، لا عبر توضيح ولا عبر اللجوء للقضاء، فإنه يُفهم ضمناً أنه لا يملك ما يدحض به تلك الادعاءات، وأنه يُقرّ بها ضمنياً. وفي هذه الحالة، يصبح من اللازم ترتيب النتائج: إما بالاستقالة طوعاً، أو بإقالته حماية للمصداقية العامة.
وعلى النقيض من ذلك، حين يلجأ المسؤول السياسي إلى القضاء للدفاع عن سمعته، فإن ذلك لا ينبغي أن يُفهم كمحاولة لتكميم الأفواه، بل كخطوة لحماية شرفه الشخصي والمؤسسي، شرط أن يكون الدافع هو الكشف عن الحقيقة، وليس الانتقام أو إسكات الأصوات الناقدة. وإذا قدّم الصحفي اعتذاراً صريحاً، أو قام بتصحيح ما نشره، فذلك يُعدّ بمثابة تبرئة للذمة، وعلى المسؤول أن يرحب بها ويطوي بذلك ملف المتابعة القضائية.
في مثل هذا النموذج المتوازن، تتحقق شروط التخليق السياسي والإعلامي: فإما أن تُصدر المحكمة قراراً واضحاً يدين أو يبرئ، وإما أن يظهر نقد ذاتي مهني يضع حداً للتأويلات والاتهامات. وبهذا تُستدعى الرقابة الصحفية إلى ذهن السياسي قبل اتخاذ القرار، ويضع الصحفي أمام عينيه أن كل سطر يكتبه يمكن أن يُحاسب عليه قانونياً.
من جهة أخرى، ينبغي أن تظل أي متابعة قانونية لأي صحفي أو مدوّن أو ناشر في إطار قانون الصحافة والنشر، طالما أن الفعل المرتكب يتعلق بمحتوى منشور في وسيلة إعلامية أو منصة رقمية. فالأصل هو الاحتكام إلى النصوص الخاصة بالصحافة، لا إلى القانون الجنائي العام، مع مراعاة مبدأ "النص الأصلح للمتهم" كما تنص عليه القوانين العادلة.
إن الفصل 72 من مدونة الصحافة والنشر في المغرب، مثلاً، يُجرّم بوضوح نشر أو نقل أخبار كاذبة أو ادعاءات لا أساس لها من الصحة بسوء نية، سواء عبر كتابات أو مطبوعات أو وسائل سمعية بصرية أو إلكترونية. وهو ما تُحيل عليه كذلك المواد81 و82 و84 و85 من نفس القانون، والتي تمنح الأشخاص والهيئات المتضررة من القذف والإهانة حق اللجوء إلى القضاء، ضمن ضوابط تضمن التوازن بين حرية التعبير وكرامة الأشخاص.
وفي النهاية، فإن الرقابة الصحفية الجادة تجعل السياسي أكثر التزاماً بالقانون، والمتابعة القضائية الرصينة تجعل الصحفي أكثر تحرياً للمعلومة الصحيحة. وبهذا نضمن أن تبقى الديمقراطية فعلاً يومياً لا مجرد شعار، وأن تُمارس السياسة والإعلام كمهمتين تشاركان في صناعة المصلحة العامة، لا في تصفية الحسابات.
من الإنصاف أيضاً أن نعترف بأن المشهد قد تغيّر كثيراً في عصر الشبكات الاجتماعية. بعض المؤثرين السياسيين على "يوتيوب" و"تيك توك" وغيرهما، كسروا كل القواعد المهنية والأخلاقية، وخلطوا بين الرأي والمعلومة، وبين النقد والتحريض. هذا التطور يفرض علينا إعادة النظر في المنظومة القانونية المنظمة للإعلام الرقمي، ليس بغرض التضييق، بل بهدف ضبط التوازن، وحماية النقاش العام من الانزلاق نحو الفوضى.
في دولة القانون، تُربط المسؤولية بالمحاسبة. والسياسي مسؤول عن قراراته أمام الرأي العام، والناخبين، وأمام القانون أيضاً. وبالمثل، فإن الصحفي مسؤول عن ما ينشره، وعن التحقق من صحة المعلومات التي يقدمها، وعن الصياغة النزيهة والتوازن المهني في تعليقاته وتحليلاته.
وحين يتعرض مسؤول سياسي لاتهامات علنية في وسائل الإعلام ـ خصوصاً إذا تعلّقت بالفساد أو انعدام النزاهة ـ ولا يرد بأي شكل، لا عبر توضيح ولا عبر اللجوء للقضاء، فإنه يُفهم ضمناً أنه لا يملك ما يدحض به تلك الادعاءات، وأنه يُقرّ بها ضمنياً. وفي هذه الحالة، يصبح من اللازم ترتيب النتائج: إما بالاستقالة طوعاً، أو بإقالته حماية للمصداقية العامة.
وعلى النقيض من ذلك، حين يلجأ المسؤول السياسي إلى القضاء للدفاع عن سمعته، فإن ذلك لا ينبغي أن يُفهم كمحاولة لتكميم الأفواه، بل كخطوة لحماية شرفه الشخصي والمؤسسي، شرط أن يكون الدافع هو الكشف عن الحقيقة، وليس الانتقام أو إسكات الأصوات الناقدة. وإذا قدّم الصحفي اعتذاراً صريحاً، أو قام بتصحيح ما نشره، فذلك يُعدّ بمثابة تبرئة للذمة، وعلى المسؤول أن يرحب بها ويطوي بذلك ملف المتابعة القضائية.
في مثل هذا النموذج المتوازن، تتحقق شروط التخليق السياسي والإعلامي: فإما أن تُصدر المحكمة قراراً واضحاً يدين أو يبرئ، وإما أن يظهر نقد ذاتي مهني يضع حداً للتأويلات والاتهامات. وبهذا تُستدعى الرقابة الصحفية إلى ذهن السياسي قبل اتخاذ القرار، ويضع الصحفي أمام عينيه أن كل سطر يكتبه يمكن أن يُحاسب عليه قانونياً.
من جهة أخرى، ينبغي أن تظل أي متابعة قانونية لأي صحفي أو مدوّن أو ناشر في إطار قانون الصحافة والنشر، طالما أن الفعل المرتكب يتعلق بمحتوى منشور في وسيلة إعلامية أو منصة رقمية. فالأصل هو الاحتكام إلى النصوص الخاصة بالصحافة، لا إلى القانون الجنائي العام، مع مراعاة مبدأ "النص الأصلح للمتهم" كما تنص عليه القوانين العادلة.
إن الفصل 72 من مدونة الصحافة والنشر في المغرب، مثلاً، يُجرّم بوضوح نشر أو نقل أخبار كاذبة أو ادعاءات لا أساس لها من الصحة بسوء نية، سواء عبر كتابات أو مطبوعات أو وسائل سمعية بصرية أو إلكترونية. وهو ما تُحيل عليه كذلك المواد81 و82 و84 و85 من نفس القانون، والتي تمنح الأشخاص والهيئات المتضررة من القذف والإهانة حق اللجوء إلى القضاء، ضمن ضوابط تضمن التوازن بين حرية التعبير وكرامة الأشخاص.
وفي النهاية، فإن الرقابة الصحفية الجادة تجعل السياسي أكثر التزاماً بالقانون، والمتابعة القضائية الرصينة تجعل الصحفي أكثر تحرياً للمعلومة الصحيحة. وبهذا نضمن أن تبقى الديمقراطية فعلاً يومياً لا مجرد شعار، وأن تُمارس السياسة والإعلام كمهمتين تشاركان في صناعة المصلحة العامة، لا في تصفية الحسابات.
من الإنصاف أيضاً أن نعترف بأن المشهد قد تغيّر كثيراً في عصر الشبكات الاجتماعية. بعض المؤثرين السياسيين على "يوتيوب" و"تيك توك" وغيرهما، كسروا كل القواعد المهنية والأخلاقية، وخلطوا بين الرأي والمعلومة، وبين النقد والتحريض. هذا التطور يفرض علينا إعادة النظر في المنظومة القانونية المنظمة للإعلام الرقمي، ليس بغرض التضييق، بل بهدف ضبط التوازن، وحماية النقاش العام من الانزلاق نحو الفوضى.