ففي دراسة موسعة بعنوان “تحديات المقاولات المتناهية الصغر والصغيرة جداً والصغرى في المغرب: النمو، التحديث والتطوير”، صادق عليها المجلس في يناير 2025 بطلب من مجلس المستشارين، تمت الإشارة إلى مفارقة واضحة بين الحضور العددي الكبير لهذه المقاولات وضعف أثرها الاقتصادي، رغم أهميتها الاجتماعية في توفير مناصب الشغل، إذ تضمن أكثر من 56 في المئة من فرص العمل المصرح بها في القطاع الخاص.
ورغم هذا الدور الحيوي في امتصاص البطالة، فإن هذه المقاولات لا تزال عاجزة عن إحداث قفزة نوعية في خلق القيمة المضافة، ما يجعلها رهينة وضعية هشّة تحول دون مساهمتها في الدينامية التنموية للبلاد. وأفادت الدراسة أن نسبة المقاولات التي تمكنت من الانتقال إلى فئات أكبر خلال الفترة الممتدة بين 2017 و2022 لم تتجاوز 0.2 في المئة، بينما بلغت حالات الإفلاس سنة 2024 نحو 15 ألفاً و658، غالبيتها الساحقة من هذه الفئة.
وأرجع المجلس هذا الوضع إلى تداخل عوامل داخلية وخارجية؛ فداخلياً، تُعاني المقاولات الصغيرة من ضعف في الكفاءات التدبيرية، وغياب التخطيط الاستراتيجي والابتكار، فضلاً عن صعوبات في التمويل والرقمنة. أما خارجياً، فتصطدم بعراقيل مرتبطة بمناخ الأعمال، كالمنافسة غير المشروعة من القطاع غير المهيكل، وتعقيد المساطر الإدارية، وطول آجال الأداء، والضغط الجبائي الذي يقيد حركتها.
ولمواجهة هذه التحديات البنيوية، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى تبني سياسة وطنية شاملة للنهوض بالمقاولات المتناهية الصغر والصغيرة جداً والصغرى، تقوم على تحفيز الاستثمار والتكوين ودعم الابتكار، مع تسهيل ولوجها إلى التمويل والأسواق العمومية. كما شدد على ضرورة سن قانون المقاولات الصغيرة (Small Business Act) لتوحيد الجهود وتنسيق البرامج الموجهة لهذه الفئة، وجعلها رافعة حقيقية للنمو الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب