ويأتي هذا التعليق المؤقت وسط انتظارات حاسمة بشأن قرار وزارة أمن الطاقة والحياد الكربوني في لندن، الذي يفترض أن يحسم في منح "عقد الفارق" (Contract for Difference - CfD)، وهو العقد الذي سيحدد السعر الثابت الذي يمكن للشركة بيع الكهرباء به، وبالتالي يمثل المفتاح المالي الأساسي لانطلاق المشروع فعليًا.
وتسعى الشركة إلى تأمين عقد بسعر يتراوح بين 70 و80 جنيهًا إسترلينيًا لكل ميغاواط/ساعة، على أن يتم تمويله من خلال فواتير الكهرباء التي يدفعها المستهلك البريطاني. هذا النموذج من العقود يعتبر آلية حيوية لدعم مشاريع الطاقات المتجددة، إذ يضمن استقرار الإيرادات للمنتجين، ويقلل من المخاطر الناتجة عن تقلبات أسعار السوق.
التقلبات السياسية تضع المشروع أمام مفترق طرق
رغم أن الحكومة البريطانية السابقة كانت قد أدرجت المشروع ضمن قائمة المشاريع ذات الأهمية الوطنية، مما منحه أولوية خاصة في الإجراءات الإدارية والتمويل، إلا أن التغيير السياسي الذي عرفته بريطانيا بعد انتخابات يوليوز 2024 خلق نوعاً من الضبابية، وأثر بشكل مباشر على الجدولة الزمنية للمشروع.
وأكدت "إكس لينكس" أن هذه التحولات فرضت عليها إعادة فتح جولة مشاورات جديدة مع الفاعلين الحكوميين الجدد، في محاولة لإقناعهم بجدوى المشروع وأهميته الاستراتيجية لبريطانيا، خصوصاً في سياق الانتقال الطاقي والبحث عن بدائل خارجية موثوقة.
مشروع استراتيجي بطموح غير مسبوق
ويُعتبر مشروع الربط الكهربائي المغربي البريطاني من بين أضخم المبادرات الطاقية في العالم، إذ يقوم على بناء محطات للطاقة الشمسية والريحية في الصحراء المغربية، وتصدير الكهرباء إلى بريطانيا عبر كابل بحري بطول 3800 كيلومتر، يُعد من أطول كابلات النقل الكهربائي تحت البحر من نوع HVDC.
وبقدرة إنتاجية تصل إلى 3.6 جيغاواط، يُتوقع أن يسهم المشروع في تغطية حوالي 8% من الطلب الكهربائي البريطاني، أي ما يكفي لتزويد ما يقارب سبعة ملايين منزل بالطاقة النظيفة، وهو ما يجسد أحد أكبر الرهانات الطاقية العابرة للقارات.
تحديات التمويل والسيادة الطاقية
وفي الوقت الذي شدد فيه رئيس مجلس إدارة "إكس لينكس"، السير ديف لويس، على أن جميع التقنيات المعتمدة في المشروع مجرّبة سابقًا، أكد أن التحدي الأساسي يكمن في الحجم الضخم والتنسيق الثنائي المطلوب لإنجاح هذه المبادرة، سواء من الناحية السياسية أو التمويلية.
وكان المشروع قد تمكن من تعبئة تمويل أولي بقيمة 100 مليون جنيه إسترليني، بدعم من مستثمرين كبار مثل "توتال إنيرجيز" الفرنسية، و"طاقة" الإماراتية، والذراع الاستثماري لشركة "جنرال إلكتريك"، بالإضافة إلى "أوكتوبوس إنرجي" البريطانية ومؤسسها غريغ جاكسون.
الرهانات المستقبلية: هل يواصل المغرب توسيع نفوذه الطاقي؟
تتطلع الرباط إلى أن يشكل هذا المشروع رافعة إضافية لترسيخ موقع المغرب كمصدر رئيسي للطاقة النظيفة في الضفة الجنوبية للمتوسط، ومزود استراتيجي للأسواق الأوروبية التي تسارع من أجل تقليص اعتمادها على مصادر الطاقة الأحفورية، خاصة بعد أزمة أوكرانيا والتحولات الجيوسياسية العالمية.
ورغم تعليق الإجراءات مؤقتًا، لا يزال المشروع يحظى باهتمام واسع، ويبقى القرار البريطاني بشأن "عقد الفارق" هو الحلقة المفصلية التي ستحدد ما إذا كان هذا الربط الطاقي الطموح سيعرف النور قريباً، أم أنه سينضاف إلى قائمة المشاريع المؤجلة بسبب الحسابات السياسية المعقدة.