بقلم : عدنان بنشقرون
وراء هذا التحوّل اللغوي ثمة بنية قانونية ذات دلالة كبيرة
منذ عام 2007، كانت الأمم المتحدة تصف المقترح المغربي بأنه «جاد وموثوق». أما في 2025، فقد رفعته إلى مستوى «الأساس الضروري». اللغة هنا تنتج القانون، والقانون بدوره يولّد آثارًا ملموسة؛ وهو ما يمنح المبادرة المغربية شرعية دولية يصعب الطعن فيها. ضمن هذا المنطق، رفض التفاوض يعني القبول بالتهميش الدبلوماسي. ويعود مبدأ حسن النية، pacta sunt servanda، ليصبح جوهريًا من جديد.
يشير هذه القرار أيضًا إلى اختفاء صامت لرمز قديم : الاستفتاء. فقد محا الخطاب الأممي ذكره من قراراته أسرع مما اختفى من الشعارات الحركية. النموذج الجديد، المتوافق مع ممارسات القرن الحادي والعشرين، يركّز على المشاركة الداخلية ضمن السيادة القائمة، بدل الانفصال غير المؤكد. إنه انقلاب فكري: القانون الدولي يفضّل الاستقرار، والحكم الفعّال، والتناسق المؤسسي. باختصار، الفعلية أصبحت مرادفًا للاعتراف.
وبعيدًا عن الخطاب العاطفي والحركي، انتقل الملف إلى المجال القانوني الجاف ضمن الفصل السادس، المخصص لتسوية النزاعات سلمياً. فقد تلاشت الأبعاد الإيديولوجية؛ لم يعد الأمر إعادة إحياء التاريخ الاستعماري، بل بناء إطار قانوني قابل للتطبيق. وأصبح دعم الحكم الذاتي متوافقًا مع ميثاق الأمم المتحدة وممارسات مجلس الأمن. وراء الكواليس، تشكّلت تحالفات الواقعية حول قوى مؤثرة: الولايات المتحدة بصفتها المتبنية الرئيسية للملف، إلى جانب فرنسا والمملكة المتحدة وغانا واليابان والبرازيل. وتم تمديد ولاية بعثة مينورسو حتى 2026، مع مهمة تتحوّل تدريجيًا من مراقبة غامضة إلى دعم سياسي فعلي.
بذلك، لم تعد الأمم المتحدة تدير الوضع القائم فحسب، بل أصبحت تُسهّل الحل. التداعيات تتجاوز المجال الدبلوماسي. فالإطار القانوني المستقر يجذب المستثمرين، ويطمئن الشركاء، ويحدد الرؤى الاقتصادية. وفي منطقة تواجه تهديدات إرهابية وهشاشة حدودية، يصبح الصحراء المغربية، بعيدًا عن كونها مجرد مساحة جغرافية، مركزًا للتنمية المشتركة في إفريقيا.
ومن هنا، يتحول التركيز من جيوسياسة دفاعية إلى مشاريع اقتصادية مدروسة. أهمية القرار تكمن بما يقوله وما لم يقله أيضًا. فالصمت هنا ليس فراغًا؛ بل يحل محل وهم الاستفتاء المستحيل ويؤسس لحقيقة الحكم الذاتي القائم على المشاركة. ولم يعد الملف وقودًا للحركات السياسية، بل أصبح مشروعًا مؤسسيًا يجب بناؤه وتنفيذه. ويصبح واضحًا أن الواقعية القانونية لا تعني موت القانون، بل تطبيقه عمليًا لتحقيق الاستقرار.
فالأمم المتحدة بتكريسها للمبادرة المغربية، لم تنحاز إلى صراع إيديولوجي، بل اتبعت منطقًا عالميًا: الاعتراف بما ينجح، تشجيع الحوار، والحد من التوترات. إنها نضج معياري ربما كان مفقودًا من قبل.
السنوات القادمة ستكشف ما إذا كانت الدبلوماسية ستسير على هذا النهج. فالسلام، شأنه شأن القانون، يتطلب منهجية وصبرًا وجذورًا راسخة في الواقع. القرار 2025 قدم إطارًا واضحًا، ويبقى على جميع الأطراف الموافقة على المشاركة الفعلية فيه.
أحيانًا يكفي فعل واحد لتغيير التاريخ. كلمة «كرّس» ليست الأكثر دراماتيكية، لكنها بلا شك من أكثر الكلمات ثباتًا ودوامًا، ولا رجعة فيها
منذ عام 2007، كانت الأمم المتحدة تصف المقترح المغربي بأنه «جاد وموثوق». أما في 2025، فقد رفعته إلى مستوى «الأساس الضروري». اللغة هنا تنتج القانون، والقانون بدوره يولّد آثارًا ملموسة؛ وهو ما يمنح المبادرة المغربية شرعية دولية يصعب الطعن فيها. ضمن هذا المنطق، رفض التفاوض يعني القبول بالتهميش الدبلوماسي. ويعود مبدأ حسن النية، pacta sunt servanda، ليصبح جوهريًا من جديد.
يشير هذه القرار أيضًا إلى اختفاء صامت لرمز قديم : الاستفتاء. فقد محا الخطاب الأممي ذكره من قراراته أسرع مما اختفى من الشعارات الحركية. النموذج الجديد، المتوافق مع ممارسات القرن الحادي والعشرين، يركّز على المشاركة الداخلية ضمن السيادة القائمة، بدل الانفصال غير المؤكد. إنه انقلاب فكري: القانون الدولي يفضّل الاستقرار، والحكم الفعّال، والتناسق المؤسسي. باختصار، الفعلية أصبحت مرادفًا للاعتراف.
وبعيدًا عن الخطاب العاطفي والحركي، انتقل الملف إلى المجال القانوني الجاف ضمن الفصل السادس، المخصص لتسوية النزاعات سلمياً. فقد تلاشت الأبعاد الإيديولوجية؛ لم يعد الأمر إعادة إحياء التاريخ الاستعماري، بل بناء إطار قانوني قابل للتطبيق. وأصبح دعم الحكم الذاتي متوافقًا مع ميثاق الأمم المتحدة وممارسات مجلس الأمن. وراء الكواليس، تشكّلت تحالفات الواقعية حول قوى مؤثرة: الولايات المتحدة بصفتها المتبنية الرئيسية للملف، إلى جانب فرنسا والمملكة المتحدة وغانا واليابان والبرازيل. وتم تمديد ولاية بعثة مينورسو حتى 2026، مع مهمة تتحوّل تدريجيًا من مراقبة غامضة إلى دعم سياسي فعلي.
بذلك، لم تعد الأمم المتحدة تدير الوضع القائم فحسب، بل أصبحت تُسهّل الحل. التداعيات تتجاوز المجال الدبلوماسي. فالإطار القانوني المستقر يجذب المستثمرين، ويطمئن الشركاء، ويحدد الرؤى الاقتصادية. وفي منطقة تواجه تهديدات إرهابية وهشاشة حدودية، يصبح الصحراء المغربية، بعيدًا عن كونها مجرد مساحة جغرافية، مركزًا للتنمية المشتركة في إفريقيا.
ومن هنا، يتحول التركيز من جيوسياسة دفاعية إلى مشاريع اقتصادية مدروسة. أهمية القرار تكمن بما يقوله وما لم يقله أيضًا. فالصمت هنا ليس فراغًا؛ بل يحل محل وهم الاستفتاء المستحيل ويؤسس لحقيقة الحكم الذاتي القائم على المشاركة. ولم يعد الملف وقودًا للحركات السياسية، بل أصبح مشروعًا مؤسسيًا يجب بناؤه وتنفيذه. ويصبح واضحًا أن الواقعية القانونية لا تعني موت القانون، بل تطبيقه عمليًا لتحقيق الاستقرار.
فالأمم المتحدة بتكريسها للمبادرة المغربية، لم تنحاز إلى صراع إيديولوجي، بل اتبعت منطقًا عالميًا: الاعتراف بما ينجح، تشجيع الحوار، والحد من التوترات. إنها نضج معياري ربما كان مفقودًا من قبل.
السنوات القادمة ستكشف ما إذا كانت الدبلوماسية ستسير على هذا النهج. فالسلام، شأنه شأن القانون، يتطلب منهجية وصبرًا وجذورًا راسخة في الواقع. القرار 2025 قدم إطارًا واضحًا، ويبقى على جميع الأطراف الموافقة على المشاركة الفعلية فيه.
أحيانًا يكفي فعل واحد لتغيير التاريخ. كلمة «كرّس» ليست الأكثر دراماتيكية، لكنها بلا شك من أكثر الكلمات ثباتًا ودوامًا، ولا رجعة فيها
الرئيسية















