كتاب الرأي

​الدور الحاسم لأكاديمية محمد السادس لكرة القدم في التتويج العالمي لفتيان المغرب U20


هناك انتصارات تتجاوز لوحة النتائج، وتكتب سطراً جديداً في هوية بلدٍ بأكمله. تتويج فتيان الأطلس بلقب كأس العالم لأقل من 20 سنة في تشيلي واحدٌ من هذه الانتصارات: إنه تصديقٌ عملي على مشروعٍ صيغ بعقلٍ بارد وبقلبٍ دافئ. في قلب هذا المشروع تقف أكاديمية محمد السادس لكرة القدم كرافعةٍ للتكوين، ومختبرٍ للمنهج، ومصنعٍ للثقة. بفخرٍ صريح، يمكننا القول: هذا الكأس هو ثمرة رؤيةٍ قرّرت أن «نُكوِّن أفضل… لنفوز أعلى».



الطريقة المغربية: الأكاديمية في قلب الانتصار التاريخي بتشيلي

منذ انطلاقتها، زعزعت الأكاديمية المعايير المحلية عبر ثلاث قناعات بسيطة وعميقة:

(1) انتقاءٌ وطنيٌّ مُنَظَّم يصل إلى كل الجهات، لا يكتفي بالمهارة، بل يبحث عن الذكاء الكروي، والمرونة الذهنية، وقوة التحمل.
(2) مشروعٌ مزدوج غير قابل للمساومة: تفوق رياضي يوازيه مسارٌ دراسي صارم، لأن اللاعب القادر على إدارة مساره خارج الملعب هو ذاته الذي يُحسن إدارة لحظات الضغط داخله.
(3) تحديثٌ دائم للأدوات: إعداد بدني فردي، وقاية من الإصابات، تغذية مكيَّفة مع الأحمال، نومٌ مُدار علمياً، وتحليل فيديو تفاعلي يجعل اللاعب شريكاً في صياغة الحلول.

هذه اللغة المشتركة ظهرت جليةً في تشيلي: مسافاتٌ منضبطة بين الخطوط (8–12 م)، مؤشراتٌ واضحة للضغط (مثلاً عند التمريرة الأفقية البطيئة)، خروجٌ نظيف بالكرة عبر ثلاث مسارات مُشفَّرة، وتنويعات هجومية تجمع بين «تثبيت الخصم» و«تحرير الظهير» و«الهجوم على منطقة الجزاء بثلاثة لاعبين» واصطياد «الكرة الثانية». أما بدون كرة، فكان الانضباط عنواناً: كتلةٌ متماسكة، وعدوانيةٌ محسوبة على حامل الكرة، وتدبيرٌ ذكيٌّ للأوقات الصعبة.

قوة الأكاديمية لا تقف عند أسوارها؛ بل في الاستمرارية المؤسسية التي نسجتها مع المنتخبات السنية. من U15 إلى U23، رسَّخت الجامعة جسوراً عملية: معسكرات مشتركة، مخططات أحمال متناسقة، ملفاتٌ تقنية فردية، وتغذية راجعة مستمرة. لذلك، حين يرتدي لاعب الأكاديمية قميص المنتخب، فهو لا يقتحم المجهول؛ بل يستعيد مبادئ يعرفها، ووجوهاً اعتادها، وروتيناً يمنحه الأمان. هذه السلاسة ظهرت في كل محطة فارقة: أمام المكسيك، خُنقت التحولات السريعة؛ ضد فرنسا، رُبح «الوقت الحاسم» بعقل بارد؛ وفي النهائي أمام الأرجنتين، فاز التكتيك الصبور والنجاعة الإكلينيكية على وهج الأسماء.

من التكوين إلى المجد: كيف دفعت الأكاديمية فتيان المغرب إلى القمة


الأكاديمية صنعت أيضاً لاعباً كاملاً: موهبةٌ تُخدم الجماعة، بدلاءٌ يدخلون ليصنعوا الفارق، قادةٌ عاطفيون يضبطون الإيقاع حين تنخفض الطاقة، وأُطرٌ تقنية تجرؤ على القرارات الصعبة: تدويرٌ مضبوط، إدارةٌ رشيدة للأحمال، وتعديلاتٌ دقيقة من مباراةٍ لأخرى. هذه «ثقافة المسؤولية المشتركة» لا تُرتجل؛ تُزرع بالتكرار والصرامة والوضوح في التقييم.

والتفاصيل… تلك التي تحسم البطولات الكبرى، صارت في الأكاديمية علماً وعادة: تخطيط ميكرو ودورات تحميل، معسكراتٌ في بيئاتٍ مختلفة لرفع «مقاومة الضغط»، مقارناتٌ دورية لسرعات التنفيذ، مؤشراتٌ لاتخاذ القرار تحت ضيق الزمن والمساحة، واستخدامٌ واعٍ للبيانات (حساسات، مقاطع فيديو قصيرة ومركزة، بطاقات تقدُّم فردية). في تشيلي، صنعت هذه التفاصيل الفارق عند الدقيقة 85: لمسةٌ أولى تُبعد الضغط، تمريرةٌ «تقصي لاعباً» بدل تمريرةٍ «تُطمئن»، وتبديلٌ يغيّر الإيقاع لا الأسماء فحسب.

على مستوى المنظومة، عزّزت الجامعة محيط الأكاديمية: روزنامة تنافسية أفضل للفئات السنية، احتكاكٌ منتظم بمدارس لعبٍ مختلفة، وتناسقٌ رأسي في الأفكار من الناشئين حتى المنتخب الأولمبي. لذا لم يكن التحول من صورة «المفاجأة الجميلة» إلى «البطل المُستحق» ضربةَ حظ؛ كان نتيجة تراكمٍ يومي للدقة.

هذا التتويج يحمل ثلاث رسائل فخرٍ عملية:
رياضياً: جيلٌ انتصر بأسلوبه يجب أن يعبر الآن إلى الاحتراف دون حرق المراحل—بدقائق لعبٍ حقيقية، ومشاريع تطور واضحة، وبيئات مستقرة محلياً وأوروبياً.
اقتصادياً: سمعة التكوين المغربي تعلو، فتجذب شركاء، ومبارياتٍ مرجعية، وتبادلاتٍ تقنية.
رمزياً: للشباب أن القمة ممكنة «من هنا»، وللمؤطرين أن العمل المنهجي يُثمر، وللجماهير أن هوية لعبٍ مغربية—حديثة، طموحة، صلبة—يمكنها أن تفوز بعيداً عن الدار.

بكل اعتزاز نقول: أكاديمية محمد السادس لكرة القدم هي «مصفوفة» هذا اللقب. منحت الأدوات، وغرست الثقافة، وثبّتت المنهج. وبرهنت أن الطموح حين يتحول إلى انضباطٍ يومي يصير إنجازاً ملموساً. كأس العالم U20 هو الدليل الأجمل: انتصار ملعب، وانتصار مشروع، وانتصار هوية.

#أكاديمية_محمد_السادس #المغرب #فتيان_الأطلس #U20 #تشيلي #التكوين #المنهج #البيانات #هوية_اللعب #فخر





الاثنين 20 أكتوبر 2025
في نفس الركن