بقلم: خالد اليوسفي، باحث في الجيوبوليتيك والقضايا الجيوستراتيجية بجامعة محمد الخامس بالرباط
ويكتسب اعتماد مجلس الأمن للقرار رقم 2797 لسنة 2025 بعد ذلك السياق أهمية استثنائية، إذ قُدّم القرار من قبل الولايات المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن، وقد أقرّ بمبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية، المبادرة التي قدمها المغرب منذ سنة 2007. ويعترف القرار بأن هذا المقترح يُعد الحل الأكثر واقعية للنزاع، إذ يوفّر التوازن بين تطلعات جميع الأطراف ويوفر الضمانات القانونية والحقوقية والسيادية للمواطنين الصحراويين، في إطار احترام القانون الدولي والاستقرار الإقليمي.
الموقف الثابت للمغرب وإدارة الأمم المتحدة للملف.
لقد ظل المغرب منذ عقود متمسكًا بحقوقه التاريخية والجغرافية والسيادية على أقاليمه الجنوبية، معتمدًا على إرساء الشرعية والمشروعية التاريخية لقضيته الترابية داخل مختلف الأوساط الوطنية والدولية. وقد حظيت هذه القضية باهتمام خاص داخل منظمة الأمم المتحدة، باعتبارها الجهاز التقريري الدولي الأول الذي يمتلك الكلمة الفصل في تحديد مسار الملف.
على امتداد السنوات الأخيرة، نجحت الدبلوماسية المغربية في ترسيخ مقترح الحكم الذاتي كمرجعية أساسية لأي حوار أو مفاوضات، ورأت فيه الحل الأكثر استدامة للنزاع المفتعل. وقد لقي هذا الطرح تأييدًا واسعًا من المجتمع الدولي لعدة اعتبارات رئيسية:
1- واقعيته السياسية: إذ يوفر المقترح إطارًا تفاوضيًا متوازنًا يمنح سكان الأقاليم الجنوبية حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت السيادة المغربية، مع مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية محلية، وضمانات لحقوق الإنسان، وتحديد واضح لآليات تداول السلط و تقاسم الصلاحيات والموارد، إضافة إلى أساليب التمويل والتدبير المحلي.
2- شرعيته الدولية: إذ يُنظر إلى المبادرة على أنها تتوافق مع قواعد القانون الدولي وتوفر أرضية للتسوية السلمية، مما يجعلها خيارًا عمليًا قابلا للتطبيق يحظى بدعم واسع من الأطراف الدولية الفاعلة.
بالاستناد إلى نظرية التوازن الاستراتيجي في العلاقات الدولية (Balance of Power)، التي تؤكد على أن الدول تسعى للحفاظ على استقرار النظام الدولي من خلال موازنة القوى ومنع هيمنة دولة واحدة، يمكن فهم موقف القوى الكبرى ومجلس الأمن تجاه ملف الصحراء المغربية كآلية لتحقيق هذا التوازن في المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا. إذ تتضح أهمية هذا التوازن بشكل خاص في ظل تنامي مواقف النظام العسكري الجزائري وتصاعد تهديداته التي كان من شأنها تقويض الاستقرار والسلم الإقليمي، خصوصًا في منطقة الساحل وشمال إفريقيا.
وقد أصبح من الضروري إعادة صياغة المعادلة الإقليمية عبر دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سلمي مستدام يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. ويمكن أيضًا الاستناد إلى البراديغم التاريخي لتفسير دور الولايات المتحدة الأمريكية كعضو دائم وحامل للقلم في مجلس الأمن، حيث يمثل دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية امتدادًا لعلاقات مغربية أمريكية متينة، متجذرة تاريخيًا منذ أن كان المغرب أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة سنة 1777.
إن تلاقي عوامل الواقعية في المقترح المغربي، و الدعم الدبلوماسي الأمريكي، الشرعية التاريخية للمغرب والمنجزات التنموية تحت السيادة المغربية، والاعتبارات الأمنية الإقليمية، كلها عوامل أسهمت بشكل حاسم في تحقيق تأييد دولي وأممي واسع، ومنحت المبادرة المغربية الشرعية اللازمة أمام جميع الفاعلين في الملف.
الثابت والمتحوّل في إدارة ملف الصحراء قبل وبعد صدور القرار الأممي 2797 لسنة 2025:
يمثل القرار الأممي 2797 لسنة 2025 منعطفًا استراتيجيًا في مسار تسوية النزاع حول الصحراء المغربية، وقد أكّد جلالة الملك محمد السادس هذه النقلة النوعية في خطابه يوم 31 أكتوبر 2025 بقوله: "هناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعد 31 أكتوبر 2025"، وهو تصريح يُحمّل القرار الأممي دلالة جيوبوليتيكية تتجاوز بعده القانوني، ليعكس تحوّلاً دوليًا متناميًا نحو تبني مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي ومتوازن.
أولًا: الثابت في إدارة الملف والتمسك بالسيادة والشرعية التاريخية
لقد ظل الثابت المركزي في المقاربة المغربية يتمثل أساسا في التشبث بالسيادة الوطنية والروابط التاريخية التي تربط القبائل الصحراوية بالمؤسسة الملكية، وهي روابط موثقة في نظام البيعة والظهائر الملكية، ومؤيدة بحكم محكمة العدل الدولية لسنة 1975.
يُضاف إلى هذا الثبات التاريخي، الثبات السياسي والدبلوماسي الذي تجلى في طرح مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، والتي مثّلت تحولاً تكتيكيًا ضمن إطار استراتيجي ثابت للتسوية، حيث جمعت هذه المبادرة بين الواقعية السياسية والانفتاح على تسوية تفاوضية تحفظ كرامة السكان وحقوقهم ، وتحترم وحدة التراب المغربي.
هذا الثبات ليس موقفًا جامدًا، بل بنية مرجعية تؤطّر مختلف التحركات القانونية والدبلوماسية للمغرب، وتعزز من اتساق خطابه السياسي أمام الفاعلين الدوليين.
ثانيًا: الثابت الدبلوماسي والعمل ضمن المرجعية الأممية
يُعد التزام المغرب بالشرعية الدولية واختياره التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة، ركيزة من ركائز المقاربة المغربية. فقد أكد المغرب، باستمرار، أن الحل يجب أن يكون سياسيًا، واقعيًا، ومتوافقًا عليه، في إطار الدور الحصري للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وقد مكّنت هذه المصداقية من تعزيز موقع المغرب كفاعل إقليمي يُقارب النزاعات بمنطق دولتي مؤسسي، مما أكسبه احترامًا دوليًا متناميًا وخلق زخمًا إيجابيًا حول المبادرة المغربية داخل الأروقة الأممية.
ثالثًا: الحفاظ على مصالح السكان الصحراويين والبُعد الإنساني والتنموي في إطار السيادة
يُعدّ الحفاظ على حقوق ومصالح المواطنين الصحراويين أحد الثوابت الأساسية في مقاربة الدولة المغربية لملف الصحراء، حيث لم يكن الهدف من الطرح المغربي مجرد تسوية سياسية أو قانونية، بل صياغة حل يضمن كرامة السكان، ويُحقق العدالة الاجتماعية، والتنمية المجالية، ضمن إطار متقدّم للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
لقد حرص المغرب على أن يكون البُعد الإنساني والتنموي في صلب مشروعه، من خلال ضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين في الأقاليم الجنوبية، في مجالات الصحة، التعليم، البنية التحتية، وتمكين الساكنة من إدارة شؤونها المحلية عبر المؤسسات المنتخبة.
هذه المقاربة تعكس فهمًا عميقًا لأهمية "الشرعية الداخلية" كشرط مركزي في نجاح أي حل سياسي، وهي أيضًا رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن مبادرة الحكم الذاتي ليست مجرد عرض تفاوضي، بل مشروع وطني مكتمل الأركان يستجيب للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والحكم الرشيد.
وقد أكدت المملكة أن مقاربتها لا تسعى إلى فرض حلول أحادية، بل تطرح مشروعًا متوازنًا يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. وفي خطابه بعد صدور القرار الأممي رقم 2797، دعا الملك محمد السادس إلى مصالحة أخوية مع الجزائر لتجاوز الخلافات وتحويل الخلاف إلى فرصة لبناء مشروع إقليمي قائم على تفعيل اتحاد المغرب العربي كخيار استراتيجي لتحقيق الاندماج والتنمية، بعيدًا عن منطق الصراع الإيديولوجي أو الاستنزاف الدبلوماسي.
المتحوّل والدينامية الدولية الجديدة ما بعد القرار الأممي رقم 2797 :
يُجسّد القرار الأممي رقم 2797 الصادر سنة 2025 تتويجًا لتحوّل نوعي في بنية الاصطفاف الدولي حول قضية الصحراء المغربية، ويُمثل لحظة مفصلية أعادت تشكيل المعادلات الجيوبوليتيكية المرتبطة بالملف.
فقد تجاوزت مبادرة الحكم الذاتي، في هذا السياق، كونها مجرد مقترح تفاوضي، لتتحوّل إلى مرجعية دولية تحظى بدعم متصاعد من فاعلين إقليميين ودوليين، وتُقدَّم كالحل الأكثر واقعية وفعالية في ظل غياب بدائل جدّية من الأطراف الأخرى.
هذا التحول يعكس فشل الخطابات التقليدية المعتمدة على الطرح الانفصالي في التأقلم مع المتغيرات الدولية، وافتقارها إلى النضج الدبلوماسي والمرونة الاستراتيجية، مما أضعف مصداقيتها أمام المنتظم الأممي. في المقابل، فرضت المبادرة المغربية نفسها كأفق للحل السلمي المستدام، القائم على احترام سيادة الدولة، وضمان الحقوق، وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
القرار 2797، بهذا المعنى، لم يأتِ فقط تأكيدًا لدعم متزايد، بل أعاد تموقع المغرب في خريطة الشرعية الدولية، باعتباره فاعلًا منتجًا للحلول السياسية، لا مجرد طرف في نزاع طويل الأمد. لقد منح هذا التحول للموقف المغربي زخمًا استراتيجيًا جديدًا، يعزز من أدواته الدبلوماسية، ويُعلي من شرعيته القانونية والأخلاقية.
وإذا كان المغرب قد حافظ على ثوابته في السيادة، والتشبث بالإطار الأممي، فإن هذا التحول يفتح أمامه آفاقًا استراتيجية أوسع، تستند إلى ما يمكن تسميته بـ"شرعية الحل"، وهي الشرعية التي لم تعد تُقاس فقط بالتاريخ أو القانون أو الجغرافيا، بل أيضًا بالقدرة على تقديم حلول واقعية تلائم بيئة دولية تتطلب البراغماتية، والتكامل، والتوافق والمبادرة.
إن التحولات التي رافقت صدور القرار الأممي 2797 لسنة 2025 تعكس نجاح المغرب في دمج ثوابته الوطنية مع متغيرات السياق الدولي والإقليمي، حيث تمكّن من الانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير في ملف وحدته الترابية، وتحويل مقترح الحكم الذاتي من مجرد عرض تفاوضي إلى مشروع سياسي-إقليمي يحظى بدعم دولي واسع، يقوم على السيادة، التنمية، والانفتاح.
لكن التحدي اليوم لم يعد فقط في تثبيت هذا التحول، بل في مأسسته على الأرض، من خلال تحيين مضامين مبادرة الحكم الذاتي التي مرّ على تقديمها ما يقارب عقدين من الزمن، في ضوء التحولات الكبرى التي عرفها المغرب، لا سيما:
- اعتماد دستور 2011 الذي رسّخ الجهوية الموسعة ومبادئ الديمقراطية التشاركية،
- إطلاق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية سنة 2015،
- صدور الترسانة القانونية للجماعات الترابية في نفس السنة،
- بلورة النموذج التنموي الوطني الجديد سنة 2021.
كل هذه المحطات تشكل رصيدًا مؤسساتيًا يجب ربطه بشكل عملي بمضامين الحكم الذاتي، بما يجعل منه مشروعًا حيًّا ومتطورًا، قادرًا على مواكبة تطلعات ساكنة الأقاليم الصحراوية والاستجابة لمتطلبات المنتظم الدولي فيما يخص ضرورة تحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين بالمنطقة.
الموقف الثابت للمغرب وإدارة الأمم المتحدة للملف.
لقد ظل المغرب منذ عقود متمسكًا بحقوقه التاريخية والجغرافية والسيادية على أقاليمه الجنوبية، معتمدًا على إرساء الشرعية والمشروعية التاريخية لقضيته الترابية داخل مختلف الأوساط الوطنية والدولية. وقد حظيت هذه القضية باهتمام خاص داخل منظمة الأمم المتحدة، باعتبارها الجهاز التقريري الدولي الأول الذي يمتلك الكلمة الفصل في تحديد مسار الملف.
على امتداد السنوات الأخيرة، نجحت الدبلوماسية المغربية في ترسيخ مقترح الحكم الذاتي كمرجعية أساسية لأي حوار أو مفاوضات، ورأت فيه الحل الأكثر استدامة للنزاع المفتعل. وقد لقي هذا الطرح تأييدًا واسعًا من المجتمع الدولي لعدة اعتبارات رئيسية:
1- واقعيته السياسية: إذ يوفر المقترح إطارًا تفاوضيًا متوازنًا يمنح سكان الأقاليم الجنوبية حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت السيادة المغربية، مع مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية محلية، وضمانات لحقوق الإنسان، وتحديد واضح لآليات تداول السلط و تقاسم الصلاحيات والموارد، إضافة إلى أساليب التمويل والتدبير المحلي.
2- شرعيته الدولية: إذ يُنظر إلى المبادرة على أنها تتوافق مع قواعد القانون الدولي وتوفر أرضية للتسوية السلمية، مما يجعلها خيارًا عمليًا قابلا للتطبيق يحظى بدعم واسع من الأطراف الدولية الفاعلة.
بالاستناد إلى نظرية التوازن الاستراتيجي في العلاقات الدولية (Balance of Power)، التي تؤكد على أن الدول تسعى للحفاظ على استقرار النظام الدولي من خلال موازنة القوى ومنع هيمنة دولة واحدة، يمكن فهم موقف القوى الكبرى ومجلس الأمن تجاه ملف الصحراء المغربية كآلية لتحقيق هذا التوازن في المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا. إذ تتضح أهمية هذا التوازن بشكل خاص في ظل تنامي مواقف النظام العسكري الجزائري وتصاعد تهديداته التي كان من شأنها تقويض الاستقرار والسلم الإقليمي، خصوصًا في منطقة الساحل وشمال إفريقيا.
وقد أصبح من الضروري إعادة صياغة المعادلة الإقليمية عبر دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سلمي مستدام يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. ويمكن أيضًا الاستناد إلى البراديغم التاريخي لتفسير دور الولايات المتحدة الأمريكية كعضو دائم وحامل للقلم في مجلس الأمن، حيث يمثل دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية امتدادًا لعلاقات مغربية أمريكية متينة، متجذرة تاريخيًا منذ أن كان المغرب أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة سنة 1777.
إن تلاقي عوامل الواقعية في المقترح المغربي، و الدعم الدبلوماسي الأمريكي، الشرعية التاريخية للمغرب والمنجزات التنموية تحت السيادة المغربية، والاعتبارات الأمنية الإقليمية، كلها عوامل أسهمت بشكل حاسم في تحقيق تأييد دولي وأممي واسع، ومنحت المبادرة المغربية الشرعية اللازمة أمام جميع الفاعلين في الملف.
الثابت والمتحوّل في إدارة ملف الصحراء قبل وبعد صدور القرار الأممي 2797 لسنة 2025:
يمثل القرار الأممي 2797 لسنة 2025 منعطفًا استراتيجيًا في مسار تسوية النزاع حول الصحراء المغربية، وقد أكّد جلالة الملك محمد السادس هذه النقلة النوعية في خطابه يوم 31 أكتوبر 2025 بقوله: "هناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعد 31 أكتوبر 2025"، وهو تصريح يُحمّل القرار الأممي دلالة جيوبوليتيكية تتجاوز بعده القانوني، ليعكس تحوّلاً دوليًا متناميًا نحو تبني مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي ومتوازن.
أولًا: الثابت في إدارة الملف والتمسك بالسيادة والشرعية التاريخية
لقد ظل الثابت المركزي في المقاربة المغربية يتمثل أساسا في التشبث بالسيادة الوطنية والروابط التاريخية التي تربط القبائل الصحراوية بالمؤسسة الملكية، وهي روابط موثقة في نظام البيعة والظهائر الملكية، ومؤيدة بحكم محكمة العدل الدولية لسنة 1975.
يُضاف إلى هذا الثبات التاريخي، الثبات السياسي والدبلوماسي الذي تجلى في طرح مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، والتي مثّلت تحولاً تكتيكيًا ضمن إطار استراتيجي ثابت للتسوية، حيث جمعت هذه المبادرة بين الواقعية السياسية والانفتاح على تسوية تفاوضية تحفظ كرامة السكان وحقوقهم ، وتحترم وحدة التراب المغربي.
هذا الثبات ليس موقفًا جامدًا، بل بنية مرجعية تؤطّر مختلف التحركات القانونية والدبلوماسية للمغرب، وتعزز من اتساق خطابه السياسي أمام الفاعلين الدوليين.
ثانيًا: الثابت الدبلوماسي والعمل ضمن المرجعية الأممية
يُعد التزام المغرب بالشرعية الدولية واختياره التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة، ركيزة من ركائز المقاربة المغربية. فقد أكد المغرب، باستمرار، أن الحل يجب أن يكون سياسيًا، واقعيًا، ومتوافقًا عليه، في إطار الدور الحصري للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وقد مكّنت هذه المصداقية من تعزيز موقع المغرب كفاعل إقليمي يُقارب النزاعات بمنطق دولتي مؤسسي، مما أكسبه احترامًا دوليًا متناميًا وخلق زخمًا إيجابيًا حول المبادرة المغربية داخل الأروقة الأممية.
ثالثًا: الحفاظ على مصالح السكان الصحراويين والبُعد الإنساني والتنموي في إطار السيادة
يُعدّ الحفاظ على حقوق ومصالح المواطنين الصحراويين أحد الثوابت الأساسية في مقاربة الدولة المغربية لملف الصحراء، حيث لم يكن الهدف من الطرح المغربي مجرد تسوية سياسية أو قانونية، بل صياغة حل يضمن كرامة السكان، ويُحقق العدالة الاجتماعية، والتنمية المجالية، ضمن إطار متقدّم للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
لقد حرص المغرب على أن يكون البُعد الإنساني والتنموي في صلب مشروعه، من خلال ضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين في الأقاليم الجنوبية، في مجالات الصحة، التعليم، البنية التحتية، وتمكين الساكنة من إدارة شؤونها المحلية عبر المؤسسات المنتخبة.
هذه المقاربة تعكس فهمًا عميقًا لأهمية "الشرعية الداخلية" كشرط مركزي في نجاح أي حل سياسي، وهي أيضًا رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن مبادرة الحكم الذاتي ليست مجرد عرض تفاوضي، بل مشروع وطني مكتمل الأركان يستجيب للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والحكم الرشيد.
وقد أكدت المملكة أن مقاربتها لا تسعى إلى فرض حلول أحادية، بل تطرح مشروعًا متوازنًا يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. وفي خطابه بعد صدور القرار الأممي رقم 2797، دعا الملك محمد السادس إلى مصالحة أخوية مع الجزائر لتجاوز الخلافات وتحويل الخلاف إلى فرصة لبناء مشروع إقليمي قائم على تفعيل اتحاد المغرب العربي كخيار استراتيجي لتحقيق الاندماج والتنمية، بعيدًا عن منطق الصراع الإيديولوجي أو الاستنزاف الدبلوماسي.
المتحوّل والدينامية الدولية الجديدة ما بعد القرار الأممي رقم 2797 :
يُجسّد القرار الأممي رقم 2797 الصادر سنة 2025 تتويجًا لتحوّل نوعي في بنية الاصطفاف الدولي حول قضية الصحراء المغربية، ويُمثل لحظة مفصلية أعادت تشكيل المعادلات الجيوبوليتيكية المرتبطة بالملف.
فقد تجاوزت مبادرة الحكم الذاتي، في هذا السياق، كونها مجرد مقترح تفاوضي، لتتحوّل إلى مرجعية دولية تحظى بدعم متصاعد من فاعلين إقليميين ودوليين، وتُقدَّم كالحل الأكثر واقعية وفعالية في ظل غياب بدائل جدّية من الأطراف الأخرى.
هذا التحول يعكس فشل الخطابات التقليدية المعتمدة على الطرح الانفصالي في التأقلم مع المتغيرات الدولية، وافتقارها إلى النضج الدبلوماسي والمرونة الاستراتيجية، مما أضعف مصداقيتها أمام المنتظم الأممي. في المقابل، فرضت المبادرة المغربية نفسها كأفق للحل السلمي المستدام، القائم على احترام سيادة الدولة، وضمان الحقوق، وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
القرار 2797، بهذا المعنى، لم يأتِ فقط تأكيدًا لدعم متزايد، بل أعاد تموقع المغرب في خريطة الشرعية الدولية، باعتباره فاعلًا منتجًا للحلول السياسية، لا مجرد طرف في نزاع طويل الأمد. لقد منح هذا التحول للموقف المغربي زخمًا استراتيجيًا جديدًا، يعزز من أدواته الدبلوماسية، ويُعلي من شرعيته القانونية والأخلاقية.
وإذا كان المغرب قد حافظ على ثوابته في السيادة، والتشبث بالإطار الأممي، فإن هذا التحول يفتح أمامه آفاقًا استراتيجية أوسع، تستند إلى ما يمكن تسميته بـ"شرعية الحل"، وهي الشرعية التي لم تعد تُقاس فقط بالتاريخ أو القانون أو الجغرافيا، بل أيضًا بالقدرة على تقديم حلول واقعية تلائم بيئة دولية تتطلب البراغماتية، والتكامل، والتوافق والمبادرة.
إن التحولات التي رافقت صدور القرار الأممي 2797 لسنة 2025 تعكس نجاح المغرب في دمج ثوابته الوطنية مع متغيرات السياق الدولي والإقليمي، حيث تمكّن من الانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير في ملف وحدته الترابية، وتحويل مقترح الحكم الذاتي من مجرد عرض تفاوضي إلى مشروع سياسي-إقليمي يحظى بدعم دولي واسع، يقوم على السيادة، التنمية، والانفتاح.
لكن التحدي اليوم لم يعد فقط في تثبيت هذا التحول، بل في مأسسته على الأرض، من خلال تحيين مضامين مبادرة الحكم الذاتي التي مرّ على تقديمها ما يقارب عقدين من الزمن، في ضوء التحولات الكبرى التي عرفها المغرب، لا سيما:
- اعتماد دستور 2011 الذي رسّخ الجهوية الموسعة ومبادئ الديمقراطية التشاركية،
- إطلاق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية سنة 2015،
- صدور الترسانة القانونية للجماعات الترابية في نفس السنة،
- بلورة النموذج التنموي الوطني الجديد سنة 2021.
كل هذه المحطات تشكل رصيدًا مؤسساتيًا يجب ربطه بشكل عملي بمضامين الحكم الذاتي، بما يجعل منه مشروعًا حيًّا ومتطورًا، قادرًا على مواكبة تطلعات ساكنة الأقاليم الصحراوية والاستجابة لمتطلبات المنتظم الدولي فيما يخص ضرورة تحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين بالمنطقة.