بقلم : عدنان بنشقرون
كيف نفسر أن 66,3٪ من المغاربة لا يزالون يعتمدون على التلفزيون، سواء الوطني أو الأجنبي، كمصدر رئيسي للمعلومات، بينما يؤكد الخطاب السائد — سياسي، إعلامي وأكاديمي — أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل الرأي العام بنسبة مئة بالمئة؟
كيف نفهم أن 26,9٪ فقط من المواطنين يلجؤون إلى الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يُتهم فيسبوك ويوتيوب وتيك توك يومياً بأنهم المراكز الفعلية للنقاش العام؟ هل نحن أمام تناقض إحصائي… أم سوء فهم أعمق؟
الأرقام واضحة. فهي مأخوذة من تقرير Digital News Report 2025 لمعهد رويترز، والذي عُرض مؤخراً في الرباط. التلفزيون يظل المصدر الرئيسي للمعلومات، محتفظاً بجاذبية شبه عاطفية: صالون الأسرة، نشرة الأخبار المسائية، صوت المذيع المألوف. إنه طقس، إطار، زمن مشترك. أما الصحافة الإلكترونية فتقف عند 4,7٪، بينما تستقر الإذاعة والصحافة المطبوعة حول 1٪. على الورق، يبدو المشهد مستقرًا، يكاد يكون محافظاً.
إذن، أين المشكلة؟ أين موجة الرقمنة المزعومة التي يتحدث عنها الجميع؟
هنا تبدأ المفارقة. إذ إن 78٪ من مستخدمي الإنترنت في المغرب يتعرضون لمعلومات مُرشحة ليس بواسطة الصحفيين، بل بواسطة الخوارزميات. يوتيوب (49٪) وفيسبوك (47٪) يهيمنان على الوصول إلى الأخبار الوطنية والدولية. بمعنى آخر: حتى عندما يظل التلفزيون البوابة المعلنة، فإن تشكيل التصورات والنقاشات والعواطف يتم في مكان آخر. ليس في النشرة التلفزيونية، بل في التدفق الرقمي.
السؤال إذن ليس: عن أي قناة نحصل على الأخبار؟
السؤال الحقيقي: أين يُصنع الرأي؟
التلفزيون يُخبرنا. وسائل التواصل الاجتماعي توجهنا. التلفزيون يروي الحقائق. المنصات الرقمية تعيد تشكيلها، تعلق عليها، تضخمها، وأحياناً تحرفها.
ما تكشفه هذه الأرقام ليس مقاومة المغاربة للرقمنة، بل انفصال متزايد بين المعلومة والرأي. نشاهد النشرة التلفزيونية، ثم نذهب إلى فيسبوك لمعرفة "ما ينبغي علينا التفكير فيه". نسمع خبراً على التلفزيون، ثم "نفهمه" على يوتيوب عبر مؤثر، محلل غير رسمي، أو فيديو عاطفي.
هل لا تزال هذه المعلومة نفسها؟ أم أصبحت شيئاً آخر؟
سؤال آخر مزعج: لماذا لا يُنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي، رغم قوتها، كوسائل إعلام من قبل المواطنين أنفسهم؟ لماذا يُنظر إليها دائماً كمساحات ثانوية، بينما تشكل بعمق ترتيب الأولويات في الأخبار؟ ربما لأن تأثيرها منتشر، خفي، غير معلن. الخوارزمية لا تقول أبداً: "هذه هي الحقيقة". بل تقول: "هذا ما سيشد انتباهك". وهنا يكمن فعلياً مصدر القوة.
غالباً ما يُتهم المغاربة — كما شعوب أخرى — بأنهم "متأثرون" بوسائل التواصل الاجتماعي.
لكن هذا التفسير بسيط جداً، يكاد يكون متعالياً. الظاهرة أكثر دقة. المواطنون ما زالوا يبحثون عن شرعية المعلومات في الإعلام التقليدي، بينما تُبنى عواطفهم وغضبهم واستياءهم في فضاءات غير صحفية. ليس الأمر تخلياً عن التلفزيون، بل انقسام إدراكي.
هل ينبغي الاستغراب من أن تظل الصحافة الإلكترونية هامشية؟ ربما لأنها تدفع ثمن موقعها الغامض. ليست طقساً كالتيليفيزيون، ولا عاطفية وفورية كالمنصات الرقمية. عالقة بين عالمين، غالباً تُعتبر مجرد وسيلة نقل، أحياناً امتداداً للمنصات نفسها.
ماذا لو كانت النقطة العمياء الحقيقية هنا؟ في عجزنا الجماعي عن الاعتراف بأن التأثير لم يعد يُقاس بحصص السوق، بل بقدرة تشكيل التفكير. ليس من يتحدث أكثر هو المؤثر، بل من يقرر ما يستحق التعليق عليه، المشاركة فيه، السخرية منه أو الإشادة به.
وبالتالي، الحديث عن "مفارقة" ربما يكون مريحاً أكثر مما ينبغي. ما تكشفه هذه الأرقام هو تحول صامت في قوة المعلومات. التلفزيون يظل المسرح الرسمي، وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الكواليس التي تُصنع فيها الروايات المتنافسة، الشكوك، اليقينيات السريعة. وبين الاثنين، مواطن يتنقل، أحياناً دون وعي، بين المعلومة الموثوقة والتفسير الخوارزمي.
السؤال الحقيقي، في النهاية، ليس هل تسيطر وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي بنسبة 100٪.
السؤال الحقيقي أكثر إثارة للقلق : من يسيطر على المعنى الذي نمنحه للمعلومة التي نعتقد أننا نتحكم فيها؟