كتاب الرأي

في غابة إيفران بقلم: " الصديق معنينو"


أخبرت أصدقائي بأني متوجه إلى إيفران للمشاركة في درس جامعي يشرف عليه الفنان «نعمان لحلو» في موضوع الأغنية الوطنية... بعث لي أصدقائي بصور لإيفران تحت الثلج، لذلك ارتديت ما لديَّ من ملابس صوفية وقاية من البرد وفيروس الزكام... لكن عند دخولي إلى إيفران، كانت الحرارة تصل إلى ثلاثين درجة، وهناك شعرت بأنني ضحية مقلب محرج...



دخلت جامعة الأخوين، وذكريات عديدة تلاحقني منه الإعلان عن تأسيسها إلى زياراتي لها أثناء دراسة أحد أبنائي بها... كان الحسن الثاني يقيم طويلا في إيفران، وكلما زار تلك المدينة، القائمة في مرتفعات جبال الأطلس إلا وانطلقت التكهنات عن تعديل وزاري... كان الناس يستبشرون بتلك الزيارات وكان الوزراء والمستشارون يواجهون أرقاً يقض مضاجعهم خوفا على مناصبهم...
المايسترو
في مدرج مليء عن آخره بدا نعمان «كمايسترو» يقود فريقا موسيقيا ويشرح لمئات الطلبة أسس المدارس الموسيقية المغربية وشعرائها... كان يذكّر الجيل القادم، بأنه ينتمي إلى بلد له أصول حضارية ليس فقط بجامعة القرويين، وعلمائها وكذا بمجاهديها وأولياءها وتقاليدها، ولكن بمسيرة تاريخية حافلة، صنعت الإنسان المغربي، وأنتجت تميزا... هو تمغربيت... وضمن هذه القيم الراسخة لعبت الثقافة دوراً مصيريا... لذلك نجد الاهتمام بمختلف أنواعها كـ«ثرات لا مادي»... يعتبر رأس مال دائم العطاء. 
خطر من البحر
كان المغرب قد عانى من آثار غرق سفينة مليئة بالمازوط هدّدت شواطئ المغرب قريبا من آسفي. كونت تلك الكارثة مناسبة أبان عنها المغرب على قدرة على مواجهة هذا الخطر القادم من البحر... واستجابة لندائه أرسلت عدة دول الخُبراء والسُّدود العائمة وآلات احتواء السائل الأسود... بعث الملك فهد بن عبدالعزيز شيكا بقيمة خمسين مليار سنتيم دعماً لجهود المغرب... وبعد النجاح في هذا الامتحان تبيّن أن الشيك لازال في بنك المغرب، لذلك قرر الحسن الثاني عدم إدماجه في ميزانية الدولة وتخصيصه لتحقيق حلم راوده مراراً وهو بناء جامعة في إيفران فكانت «جامعة الأخوين» والقصد هنا... الحسن الثاني وفهد بن عبد العزيز.
الحركة الوطنية 
في جامعة الأخوين الدراسة بالأنجليزية لأن الحسن الثاني أرادها أن تكون نافذة على العالم الأنكلوسكسوني كلغة المال والأعمال والبحث العلمي... لذلك تحدث نعمان إلى الحضور باللغة الأنجليزية لأنها اللغة الرسمية بجامعة، أينعت وسط غابة الأطلس، بمعمار خاص يستجيب لخصوصيات الطقس... قلت للطلبة بلغة أنجليزية متعثرة... «أنا لا أتحدث لغة دراستكم لذلك سأحدثكم بلغة عربية مبسطة»... قلت بأن مفهوم الأغنية الوطنية ارتبطت بالحركة الوطنية إبان الاستعمار، وأن كلمات تلك الأغاني التي رددها الوطنيون منذ مائة عام كانت تنادي بالاستقلال والكرامة وكانت سلطات الحماية تمنع ترديدها... كان الوطنيون وهم يرددونها يشعرون بالقوة والوحدة والأمل في الاستقلال. 
كلمات نشيد
وبعد أن قدمت عدداً من الأمثلة انتقلت إلى الأغاني التي واكبت نفي محمد الخامس ورجوعه... وذكَّرتُ بشِعْر وألحان بعض ما يزال راسخاً في ذاكرتي...  عرَّجت على سبعينيات القرن الماضي وعن «ناس الغيوان» و«جيل جيلالة» ووقفت طويلا عند رغبة الحسن الثاني في وضع كلمات للنشيد الوطني... وبعد مسابقة في هذا الموضوع وافق على شعر مولاي علي الصقلي... ثم وصلت إلى المسيرة الخضراء وشرحت ظروف ما حفلت به من أغاني وطلبت من الطلبة الوقوف لترديد جماعي... 
روح وطنية 
أشرف نُعمان على أداء أغاني المسيرة الخضراء وشاركت فيها مغنية من الأقاليم الجنوبية ومغني لبناني مقيم بالمغرب... وشعرت بأن الرسالة وصلت وبأن الطلبة سيحتفظون في ذاكرتهم بهذه المبادرة التي تساهم في ترسيخ مفهوم «تمغربيت» لدى ساكنة الأخوين الذين يبلغ  عددهم ما يناهز أربعة آلاف طالب وطالبة... فشكرا للفنان نُعمان على مجهوده الإبداعي وهنيئا لبلادنا بجامعة لسانها بالإنجليزية وقلبها يخفق بالروح الوطنية....
الصديق معنينو  
 




الجمعة 8 مارس 2024
في نفس الركن