كتاب الرأي

عندما يؤثر الذكاء الاصطناعي في أفكارنا وحياتنا بشكل خفي


ظهر الذكاء الاصطناعي منذ فترة قصيرة كأداة مستقبلية، محصورة في المختبرات وأفلام الخيال العلمي، لكنه اليوم يتسلل إلى حياتنا اليومية عبر الصور والنصوص والموسيقى والفن، ليعيد تشكيل إدراكنا بطريقة خفية. لم يعد مجرد أداة حسابية أو تحسينية، بل أصبح لغة قائمة بذاته، قادر على التأثير في أفكارنا من خلال الثقافة، ليصبح شريكًا إبداعيًا يعيد تشكيل المخيال الجماعي



بقلم : محمد آيت بلحسن

من الفن إلى سوق العمل: التأثير الخفي للخوارزميات
 

يعيش المغرب في هذا السياق انتقالًا متناقضًا، فهو يركز على مشاريع كبرى مثل استضافة فعاليات رياضية عالمية، لكنه يتأخر في الاستثمار الجدي في الذكاء الاصطناعي، بينما هذه التقنية تعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي. يكمن الخطر في تفويت ثورة صناعية تعيد توزيع أوراق المنافسة الدولية.
 

تتوقع الدراسات أن العديد من المهام في القطاعين العام والخاص يمكن أتمتتها بحلول 2025، بينما حصة الناتج المحلي المغربي المتأثرة بالرقمنة ليست ضئيلة. ففي التعليم، يمكن للذكاء الاصطناعي تصميم برامج مدرسية مخصصة؛ في الصحة، يعد بالكشف المبكر والعلاج المخصص؛ وفي الصناعة، ينظم الإنتاج بكفاءة. غير أن الجانب الآخر يقلق: فقدان الوظائف التقليدية، وارتفاع البطالة، وتفاقم التفاوتات بين من يمتلك المهارات الرقمية ومن لا يمتلكها.
 

يتغير سوق العمل بشكل لا يمكن تجاهله، والسؤال لم يعد إن كان الذكاء الاصطناعي سيغيره، بل من سيستفيد من هذا التحول. يجد الشاب المغربي، المحاصر بالبطالة المستمرة والبيروقراطية والهشاشة، في الرقمنة فرصة للخروج، شرط توفير الوسائل للتكوين والابتكار وإطلاق مشاريع تنافس على المستوى الدولي.
 

تظهر شهادات رواد الأعمال المحليين صعوبة إطلاق مدرسة خاصة أو شركة ناشئة، بسبب التعقيدات الإدارية ونقص التمويل، ما يعكس ضعف النظام البيئي، رغم ذلك، تظهر الإرادة لتحويل التعليم واللوجستيك وإدارة النفايات الحضرية عبر حلول تكنولوجية ملائمة للسياق المغربي.


المغرب في مواجهة الذكاء الاصطناعي: بين الفرص والتفاوت الاجتماعي


تجسد الدراجات الكهربائية مثالًا على هذه الفرص، إذ تلقى رواجًا متزايدًا في مدن مثل مراكش أو الرشيدية، ما يعكس السعي نحو تنقل مستدام، بينما القوانين لا تزال غامضة، ما يخلق مناطق رمادية بين حماسة المواطنين وحذر المؤسسات.
 

تكشف إدارة النفايات في الرباط تحديًا لوجستيًا كبيرًا، مع أساطيل من الشاحنات وآلاف العمال، والحلول الرقمية مثل نظم تحديد المواقع لتحسين المسارات، ما يوضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين الشفافية والكفاءة إذا أدرج ضمن رؤية شاملة.
 

تعكس هذه التحديات أزمة صامتة بين الشباب المغربي، مع انخفاض في متوسط العمر، وانتشار اضطرابات نفسية واعتماديات متعددة، وهو تعبير عن جيل يبحث عن مرجعيات وفرص، وسط عدم توازن اجتماعي يهمش الشباب والفتيات على حد سواء، ما يولد شعورًا بالغضب والإحباط.
 

مع ذلك، تنبت بذور التغيير بين الشباب، الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للتعلم والإبداع والابتكار، من خلال الفيديوهات التعليمية، وأطر العمل مفتوحة المصدر مثل N8N، والدورات الذاتية، مما يتيح لهم دخول عالم الرقمنة بدون المرور بالمسارات التقليدية، حيث تصبح الدافعية الشخصية مفتاح المستقبل.
 

يبرز الفن كأداة مهمة في هذه الثورة الصامتة، إذ يؤثر الذكاء الاصطناعي عبر الثقافة في المشاعر والأفكار، سواء من خلال اللوحات المولدة أو الموسيقى أو النصوص المكتوبة بواسطة الآلة، ما يطمس الحدود بين الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي، إذ لا يقتصر الأخير على المساعدة، بل يعيد تشكيل علاقتنا بالعالم.
 

يتمثل التحدي الأكبر في الحفاظ على استقلالية التفكير، مع الاستفادة من هذه الفرصة الهائلة، فالذكاء الاصطناعي يجب أن يكون منصة لتوسيع قدرته على التفكير والعمل، لا قفصًا ذهبيًا يحصرنا في خيارات جاهزة مسبقًا.
 

يعتمد مستقبل المغرب والعالم على القدرة على الجمع بين الابتكار والعدالة الاجتماعية، فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون محركًا للنمو والشمولية، شرط تجنب فخين: التفاؤل التقني الذي يتجاهل الفجوات الاجتماعية، والخوف المحافظ الذي يعيق المبادرة. بين الفن والاقتصاد والشباب، يقف المغرب أمام ثلاث معارك متزامنة، فالذكاء الاصطناعي موجود بالفعل، ويبقى السؤال: هل سنجعله حليفًا واعيًا أم عاملًا جديدًا للاغتراب؟


الذكاء الاصطناعي، المغرب، الشباب، الرقمنة، الابتكار، التوظيف، الاقتصاد الرقمي، التعليم





الخميس 25 شتنبر 2025
في نفس الركن