كتاب الرأي

عندما تصبح الدراسة بوعو لتحفيز اللاعبين…


في الأيام الأخيرة أثارت تصريحات الناخب الوطني لأقل من 17 سنة نقاشاً واسعاً حول العلاقة بين الدراسة والممارسة الرياضية، حين خاطب لاعبيه قائلاً: “واش بغيتو ترجعو تقراو وتدخلوا مع الثمنية، ولا تبقاو هنا فالوطيل كتعابو الكرة؟”



بقلم: لطفي الزغاري، استاذ باحث في العلوم الرياضية

جملة تبدو بسيطة، لكنها تختزل خللاً عميقاً في كيف نفهم التعليم، وكيف نقدّم الرياضة، وكيف نُوجّه شباباً في مرحلة حسّاسة من مسارهم.
 
فقد تحوّلت الدراسة، من وجهة نظر الكثيرين، إلى بوعو نخوّف به الشباب، وكأنها عبء أو عقاب، بينما تُقدَّم الرياضة كخلاص سحري. هذا تصور خاطئ، لأن التجارب العالمية تثبت أن التفوق في الرياضة لا يتعارض مع التفوق الدراسي، بل إن الدول التي تنتج أبطالاً فعليين هي نفسها التي تنتج طلبة متميزين.
 
برنامج “دراسة ورياضة”… خطوة مهمة بنصف روح
البرنامج الذي أُحدث لتمكين الرياضيين من الاستمرار في دراستهم دون الانقطاع عنها، جاء بفلسفة نبيلة ومطلوبة. لكنه يبقى محصوراً في الجانب المدرسي، بينما التحدي الأكبر يظهر في التعليم العالي، حيث تواجه معظم المعاهد—منها المعهد الذي أدرّس فيه—إشكالاً مركّباً:
 
نحن نطلب من المترشحين تجربة رياضية حقيقية للمشاركة في مباريات الولوج، لأن التوفر على الخبرة والمشاركة في البطولات يعني قدرة أكبر على متابعة تكوين متخصص، سواء كمدرّب أو معدّ بدني أو إطار رياضي. لكن بمجرد قبول هؤلاء الرياضيين، نصطدم بسؤال صعب:
 
هل نسمح لهم بالغياب للمشاركة في البطولات؟ أم نرفض ذلك رغم أن هذه الممارسة  هي التي بُني عليها قبولهم؟
إذا منعناهم، نقع في تناقض صارخ: كيف نقبل رياضياً، ثم نحرمه من المشاركة في المنافسات الرياضة التي من الممكن ان تمكنه من تمثيل المغرب دوليا في بعض الحالات؟
 
وإذا سمحنا لهم، فإن الغيابات قد تمتد لأسبوع أو أكثر، مما يجعلهم خارج الإيقاع الدراسي الطبيعي. فكيف يستدركون؟ وكيف نضمن تكافؤ الفرص؟
هذا سؤال لا يمكن تركه لارتجال الأساتذة أو مبادرات الأفراد.
 
الحلول موجودة… لكنها تحتاج إرادة
الدول التي سبقتنا في الرؤية والاستراتيجية اعتمدت ما يسمى بـ “جواز الطالب الرياضي من المستوى العالي”، أو le passeport de l’étudiant sportif de haut niveau.
 
هذا الإطار القانوني لا يمنح الرياضي تصريحاً لمجرد الغياب، بل يضعه داخل منظومة واضحة:
ملف تقييمي يعتمد على معايير دقيقة.
لجنة مختصة تراقب المسار الدراسي والرياضي.
إمكانية برمجة امتحانات بديلة وتوقيتات خاصة.
متابعة الساعات البيداغوجية لضمان بلوغ أهداف الوحدات.
 
بهذه الآلية، يصبح الطالب قادراً على الجمع بين التكوين الأكاديمي والممارسة الرياضية في المستوى العالي، دون إجحاف ودون امتيازات مجانية.
 
هذا النموذج اقترحته مرات عديدة داخل المؤسسة، لكنه يظل رهين انخراط ثلاثة أطراف: الأساتذة، الإدارة، والجامعة.
دون هذا التنسيق، ستبقى الفكرة جيدة فقط على الورق.
 
ماذا نريد فعلاً؟
هل نريد أبطالاً؟
أم نريد طلبة قادرين على الجمع بين الأداء العالي على رقعة الملعب والنجاح في المدرجات الجامعية؟
أم نريد أمة رياضية تنتج نموذج المواطن المتوازن؟
 
الجواب يحدد الموقع الذي نضع فيه الدراسة:
هل هي عبء؟ أم رافعة؟
هل هي بوعو؟ أم أداة للتحرّر والارتقاء؟
 
في الاخير، إن نجحنا في بناء منظومة واضحة، عادلة، ومرنة، تحترم خصوصية الرياضيين وتدمجهم داخل الزمن الدراسي بدل إقصائهم منه، فإن المدرب الوطني باها سيُجبر على البحث عن بوعو جديد لتحفيز لاعبيه…
لأن الدراسة، حينها، لن تكون شيئاً نخيف به أبناءنا، بل باباً نفتح به مستقبلهم
.
 




الثلاثاء 25 نونبر 2025
في نفس الركن