بقلم : عدنان بنشقرون
الاستبدال الكبير 4.0
على مدار العامين الماضيين، بدأت أنظمة الذكاء الاصطناعي الوكيلة – تلك التي تستطيع التخطيط والتصرف واتخاذ القرارات دون تدخل بشري مستمر – بالانتشار في كل القطاعات. لقد قلبت بالفعل موازين العمل، أعادت توزيع القوة الاقتصادية، وأعادت تشكيل النظام الاجتماعي بهدوء.
ما كنتم تصفونه كحركة ديموغرافية أصبح الآن ظاهرة أوسع بكثير: انتقال السيطرة من البشر إلى أنظمة مستقلة قادرة على تنظيم حياتنا بأنفسها.
أود أن ألفت انتباهكم إلى ظاهرة، وأنا واثق أنها ستشد خيالكم: الذكاء الاصطناعي الوكلي. وليس النسخة اللطيفة أو التقليدية التي ترد على الأسئلة أو تملأ النماذج، بل الذكاء الاصطناعي القادر على التفكير المستقل، واتخاذ قراراته بشكل مستقل، والعمل دون أي تدخل بشري. تصوروا ذلك: ذكاء اصطناعي يفعل أكثر بكثير من مجرد “استبدال مهاجر أو لاجئ”. بل قد يصل الأمر إلى استبدالنا نحن أنفسنا بسرعة مذهلة.
لقد أحدثتم ضجة بكتابكم الاستبدال الكبير، حيث تنبأتم بانهيار الحضارة الفرنسية بسبب الهجرة غير المسيطر عليها. لكن هل فكرتم يومًا في الذكاء الاصطناعي الوكلي، وليس النسخة اللطيفة منه، سيدي إريك؟
إذا كنتم تهتمون بـ”الاستبدال” الديموغرافي، فالأمر المدهش أنكم لم تلتفتوا بعد إلى ما قد يكون الاستبدال الحقيقي للمستقبل: الذكاء الاصطناعي الوكلي. نعم، الذكاء الاصطناعي المستقل، الثورة الحقيقية. فهو لا يقتصر على استبدالنا في الأعمال الرتيبة أو غير المربحة، بل يمكنه أيضًا الاستحواذ على وظائفنا، حياتنا، وربما حتى أحلامنا. لا حاجة لأي مؤامرة “إسلامو-يسارية”، فهذه الذكاء موجود بالفعل ومستعد لتولي المسؤولية.
في هذا السياق الجديد، لم يعد الذكاء الاصطناعي الوكلي مجرد أداة. أصبح فاعلًا: يخطط، يضبط، ينفذ. يتفاعل مع المفاجآت، يدير الجداول، يعيد تنظيم سلاسل الإنتاج، ويُحسن الأكواد التي لم يقرأها أي مهندس. المنصات العامة تدمج بالفعل مساعديها مع بيئات العمل: الترميز، إطلاق البرامج، اختبار النماذج، أو إدارة المشاريع أصبحت مهام يمكن تفويضها للذكاء الاصطناعي.
وليس هذا تطورًا يقتصر على فرنسا وحدها. فـManus في أوروبا، DeepSeek وZhipu AI في الصين، والعمالقة الأمريكيون، جميعهم يسعون لأتمتة الاقتصاد ليس على مستوى المهام فقط، بل على مستوى القطاعات الكاملة. المعركة السياسية المقبلة ليست ثقافية، بل معرفية وتقنية وسيادية. وهي تدور بين الدول القادرة على التحكم في هذا التحول وتلك التي تتعرض له.
الذكاء الاصطناعي الوكلي: مفهوم ثوري ومدمر؟
الذكاء الاصطناعي الوكلي، ببساطة، هو ذكاء اصطناعي قادر على التخطيط والتنفيذ والتكيف بشكل مستقل. لا مزيد من الروبوتات التي تتبع الأوامر فقط. هذه الأنظمة تفكر، تتكيف، وتنفذ استراتيجياتها حتى في مواجهة المفاجآت. ليس مجرد برنامج يعطيكم حالة الطقس أو يوصي بوجبة، بل نظام قادر على تنظيم مهام معقدة واتخاذ قرارات استراتيجية وضبط نفسه تلقائيًا دون أي تدخل بشري.
تخيلوا، سيدي إريك، ذكاء اصطناعي لا يكتفي بالرد على المكالمات، بل ينظم الاجتماعات، ويكتب التقارير، ويقترح تعديلات استراتيجية، كل ذلك دون أن ترفعوا إصبعًا. لا وعي، لا أخلاق، مجرد آلة تنفذ بكفاءة. فهل هذا ليس نوعًا من الاستبدال الذي يجب أن يقلقنا؟ هذه الأنظمة لا تحمل جواز سفر أو انتماء عرقي أو توجه سياسي، فهي مجرد قدرة بحتة على الفعل. لا تندمج، بل تهيمن.
يتجاوز الذكاء الاصطناعي الوكلي مهام بسيطة مثل إدارة جدول أعمالكم ليغزو أدوات احترافية واسعة. يمكنه إدارة المشاريع، اتخاذ القرارات المعقدة، ومواجهة الأحداث الطارئة، متحكمًا بالجوانب المهنية من حياتنا اليومية وأكثر.
تستثمر الشركات بالفعل، مثل Manus وZhipu AI، في مشاريع لتقليص الاعتماد على البشر في المجالات المعقدة. وهذا ليس مجرد تحسين للكفاءة، بل يتعلق بالاستقلالية. الذكاء الاصطناعي الوكلي قادر على اتخاذ القرارات المعقدة دون الحاجة للبشر.
تخيلوا، سيدي إريك، إمكانية تفويض مهام معقدة للذكاء الاصطناعي الذي يقرر بشكل مستقل. ليس مجرد اتباع أوامر، بل تعديلها، إدارة العملية، واتخاذ القرار في الوقت الفعلي.
هذا التطور قد يكون أكبر بكثير مما تتصورون. إذا استبدلت الآلات البشر في مجالات مثل الموارد البشرية، المالية، أو حتى الصحة، فسنشهد ولادة عصر جديد: عصر ذكاء مستقل لا يعتمد على الفكر البشري، بل على القدرة الحسابية البحتة للبرامج.
هذا يطرح مفارقة. الذكاء الاصطناعي يزيد من الأتمتة، لكنه قد يسلب البشر بعض مسؤولياتهم تدريجيًا. ومن هو الأجدر لإدارة هذا القوة؟ الإنسان، بالطبع. لكن مع تقدم الذكاء الاصطناعي الوكلي، قد يصبح الاعتماد على الآلات أكثر فعالية للحفاظ على مجتمع متماسك وآمن.
الذكاء الاصطناعي الوكلي: هل سيكون كبش الفداء الجديد؟
عودة إلى كتابكم الاستبدال الكبير: تنبأتم أن الهجرة الجماعية ستؤدي إلى فقدان الهوية الوطنية والقيم الفرنسية. لكن هل أخذتم بعين الاعتبار هذا التهديد الصامت والواقعي: الذكاء الاصطناعي؟
الهجرة ربما تكون مجرد جزء صغير من التغيير الأكبر. والممثل الحقيقي لهذا الاستبدال ليس البشر، بل الذكاء الاصطناعي المستقل، الذي يستبدل الإنسان في مجالات متزايدة، ليصبح الاستبدال الحقيقي بلا حدود، بلا جنسية، وبدون وعي جماعي.
لذلك، بدل التركيز على الهجرة، ربما يجب النظر إلى التهديد الأكبر الذي سيحدد المستقبل: الذكاء الاصطناعي الوكلي. ليس خوفًا من البشر الآخرين، بل من استبدال كامل من قبل كيانات تجعل الإنسان زائلاً.
ختامًا : متى سنرى نسخة جديدة من كتابكم الاستبدال الكبير لعام 2027، لتسلط الضوء على هذه الظاهرة؟
أترك لكم التفكير في هذا السؤال.
مع خالص التحية،
مواطن مغربي، أكثر قلقًا مما كان قبل سنوات