كتاب الرأي

ردّا على عزيز بوستة : حين يتحوّل النقد إلى اختزال يُفقِد السياسة عمقها


صديقي ورفيقي العزيز

قرأت باهتمام كبير، كعادتي، مقالك: "لماذا يجب على حزب الاستقلال مغادرة الأغلبية الآن!" وأطلب منك الإذن في الرد عليه بروح ودّية ودون أي سجال. هذه هي قاعدة النقاش.



بقلم : عدنان بنشقرون

هناك تحليلات تكتسي أحيانًا طابعًا نبوئيًا، شبه رسالي، لكنها في النهاية تدور حول يقينياتها الخاصة. وبرأيي المتواضع، ينتمي تحليلك إلى هذه الفئة: متألق في الشكل، جذاب في الخطاب، لكنه هش جدًا في الجوهر.

حُجّة تبدو صارمة لكنها مبنية على فرضية قابلة للنقاش: فكرة أن على حزب الاستقلال واجبًا أخلاقيًا – بل شبه التزام تاريخي – بأن يغادر الأغلبية الآن، وكأن هذا الفعل هو الطريق الوحيد لخلاص الوطن. هذه الرؤية الثنائية — المغادرة = شجاعة، البقاء = تواطؤ — يجب أن تُعاد إلى حجمها الحقيقي: مجرد رأي. قوي، واضح، لكنه رأي. وليس حقيقة سياسية.
 

صديقي ورفيقي العزيز، تبدأ مقالك بتمجيد فعل القطيعة، وكأن مجرّد مغادرة الحكومة يصنع رجل دولة. هذا الرومانسية السياسية تتجاهل حقيقة بسيطة: أن الحكم يعني أيضًا تحمّل جانب من النقص. حزب الاستقلال لا يتمسّك بـ"سفينة تغرق"، بل ببلد يخترق منطقة تعرف اضطرابات شديدة، مثل كل الدول التي تواجه تضخمًا عالميًا وتوترات اجتماعية وإعادة تشكيل جيوسياسي — ولا أتحدث حتى عن مشروع الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية.
 

الخروج الآن سيكون هدية رمزية للرأي العام، لكنه أيضًا تخلٍّ عن الطاولة في لحظة تُحسم فيها القرارات المفصلية. أعتقد أنك تختزل هذه التعقيدات في ردّ فعل غريزي: استنكروا، اخرجوا، والتاريخ سيصفّق لكم. هذه المقاربة المغرية تحوّل السياسة إلى مسرح، بينما هي تحتاج أحيانًا إلى صبر وبراغماتية وحتى جرعة من نكران الذات.
 

ثم، يبدو لي أنك تعتمد على قراءة انتقائية جدًا للوقائع. تُحمّل التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة عبئًا مبالغًا فيه، كما لو أن حزب الاستقلال يعيش في إقامة جبرية، ضحية حلفاء مثقلين، بلا استقلالية سياسية تقريبًا. وهذا تصوير كاريكاتوري. فقد أثّر حزب الاستقلال خلال ثلاث سنوات حسب وزنه الحالي في نصوص وإصلاحات وترتيبات عدة. البقاء داخل الأغلبية ليس استسلامًا: بل هو أداة تأثير.
 

يمكن توجيه ألف انتقاد للحكومة — وهي انتقادات مشروعة — لكن اختزال التحالف كله في “تورّطات” و”انحرافات” و”شبهات” يحوّل تشخيصًا سياسيًا معقّدًا إلى منشور أخلاقي تبسيطي. دور حزب مسؤول ليس أن ينسحب عند كل رجّة، بل أن يقيّم بنزاهة أين يمكن إحداث التأثير الفعلي. من الداخل، أحيانًا أكثر من الخارج.
 

صديقي ورفيقي العزيز، تستشهد بعد ذلك بجيل Z، الذي أصبح في الأشهر الأخيرة الذريعة المفضّلة لكل الكتّاب المستعجلين. نعم، عبّر الشباب عن غضبهم. نعم، ينتظرون انتخابات 2026. لكن علاقتهم بالسياسة ليست واحدة: فهم يحتجون على التقاعس، كما يحتجون على الاستعراض. مغادرة الأغلبية في 2025 لـ"إرسال إشارة" قد تكون خطوة قوية، لكنها أيضًا قفزة سهلة: نغسل أيدينا قبل الامتحان، ثم ننتقد أوراق الآخرين.
 

تنتقد حزب الاستقلال لأنه لم يعقد تصويتًا داخليًا حول البقاء في الحكومة. ملاحظة غريبة: لقد عقد الحزب مجلسه الوطني الأخير، ولم يطلب أي عضو إضافة هذا البند إلى جدول الأعمال. وبيننا، هل يجب حقًا أن يتحوّل كل قرار سياسي إلى عرض شفاف يُبثّ مباشرة؟ للأحزاب أولوياتها واستراتيجياتها وإيقاعاتها الخاصة. التصويت، نعم، لكن في الوقت المناسب، حين تفرض الظروف السياسية ذلك، وحين لا تكون المسألة مستعملة كأداة للضغط الإعلامي.
 

أما المقارنة الدائمة مع الأستاذ بوستة الأب أو شباط فليست في محلّها. السياقات مختلفة، والتحالفات مختلفة، وطبيعة الدولة المغربية في 2025 مختلفة أكثر. استدعاء التاريخ لفرض ردود فعل آلية اليوم هو استخدام للحنين كأداة تحليلية. وهو ليس كذلك.
 

يمكن لحزب الاستقلال أن يخرج من الحكومة. هذا ممكن. وقد فعلها في الماضي، ورفض أيضًا المشاركة في تحالفات معينة. لكن فعل ذلك اليوم بناء على سرد متوتر أو غضب إعلامي سيكون قرارًا عاطفيًا لا إستراتيجيًا. وحزب حكومي لا يمكنه العمل بمنطق المشاعر.
 

في الواقع، يقول تحليلك — يا صديقي ورفيقي العزيز — شيئًا واحدًا: يجب على الاستقلال القيام بخطوة صادمة. ربما. لكن السياسة ليست سيركًا نبحث فيه عن التصفيق. إنها ورشة عمل نشتغل فيها — أحيانًا وسط الغبار — بلا أضواء.
 

المغرب يستحق ما هو أفضل من مسلسل انسحابات متتالية. يستحق نقاشًا هادئًا، ورؤية طويلة، ومعارضة عندما تكون ضرورية، ومشاركة عندما تكون مفيدة. المغادرة حفاظًا على المبادئ أمر نبيل. البقاء لمواصلة التأثير أمر مشروع.
 

الخطأ الذي يقع فيه المحللين السياسيين، إن سمحت، هو تقديم خيار على أنه بطولي والآخر على أنه مخجل. الحقيقة أكثر تعقيدًا: في مغرب اليوم، يمكن أن تكون الشجاعة أيضًا في عدم الاستسلام لإغراء الخطوة السهلة. وهذا — يعرفه التاريخ جيدًا — كيف نميز الأفعال الحقيقية

مع خالص مودّتي





الأربعاء 10 دجنبر 2025
في نفس الركن