كتاب الرأي

حين يتحول العمل التطوعي إلى رافعة للتغيير المجتمعي


يدخل العمل التطوعي في المغرب مرحلة جديدة من النضج والفاعلية. فبعيداً عن المقاربات الموسمية أو المبادرات الخيرية التقليدية، أصبح اليوم يتجه نحو مسار أكثر تنظيماً واستدامة، مرتبط برؤية تحمل بعداً مجتمعياً واضحاً. المبادرة التي أطلقها حزب الاستقلال في إطار برنامجه «سنة 2025 سنة التطوع» تجسد هذا التحول. من خلال تعبئة روابطه المهنية، خاصة رابطة المعماريين والاقتصاديين، يقدم الحزب نموذجاً جديداً للانخراط المواطني: تطوع قائم على الكفاءة، موجه لخدمة المصلحة العامة.



بقلم: سعيد تمسماني

التحول هنا ليس بسيطاً. فلم يعد التطوع يعني فقط التبرع بالوقت، بل أصبح يعني تسخير المعرفة، الخبرة، والدعم التقني. وهو ما يتطلب نظرة بعيدة المدى، فهماً عميقاً لواقع الميدان، وانخراطاً حقيقياً في قضايا الناس اليومية.

ومن خلال برامج تركز على التأطير، التوعية، الدعم القانوني، وتكوين الفاعلين المحليين، تسعى هذه الروابط إلى مواجهة ثلاثية التحديات: تقريب الخبرة من المواطن، تقوية القدرات المحلية، والمساهمة في سياسات عمومية أكثر شمولاً واتساقاً.

لنأخذ ميدان الهندسة المعمارية كمثال: في العديد من المناطق، تشيد الأسر منازلها بشكل عشوائي أو خارج المعايير، ما يعرضها للخطر. تقديم مواكبة هندسية مجانية أو تضامنية لا يضمن فقط السلامة، بل يعكس أيضاً احترام حق الجميع في سكن لائق. وكذلك الأمر في الاقتصاد: تبسيط المفاهيم المالية، دعم الأسر لفهم ميزانياتها، أو مواكبة أصحاب المشاريع الصغيرة، كلها أشكال من التطوع ذات أثر اجتماعي وسياسي واضح.

هذه المقاربة الجديدة للعمل التطوعي تسعى أيضاً إلى إعادة بناء جسور الثقة بين المواطن، المؤسسات، والنخب. لأنها تندرج ضمن رؤية للتنمية تقوم على المشاركة والتضامن، وتبتعد عن المركزية والوصاية. فالنضال هنا لا يكتفي بالشعارات، بل يتجسد في مبادرات ملموسة وناجعة على أرض الواقع.

وفي هذا السياق، يكتسي الإعلان عن انعقاد المؤتمر الوطني لمستشاري الجماعات الاستقلاليين خلال الأسابيع المقبلة أهمية بالغة. فالهدف هو تكوين المنتخبين، تزويدهم بالأدوات المناسبة، وتحفيزهم ليكونوا فاعلين ميدانيين وقادة حقيقيين للتغيير المحلي.

لكن أبعد من هذه المبادرة الحزبية، تبرز دعوة مفتوحة لكل الأحزاب، الجمعيات، والمؤسسات. لأن العمل التطوعي، باعتباره ركيزة من ركائز التماسك الاجتماعي، يحتاج اليوم إلى إعادة صياغة شاملة تتماشى مع تحديات العصر: التمدن السريع، إدماج الشباب، الحكامة الترابية، العدالة المجالية، حماية البيئة…

لم نعد في حاجة فقط إلى سد الثغرات، بل إلى استباق المتطلبات وبناء حلول جماعية. جعل العمل التطوعي قوة استراتيجية هو بلا شك أحد أجمل رهانات المغرب الباحث عن المعنى، والعدالة، والابتكار المجتمعي.


 


تطوع، كفاءات، حزب الاستقلال، التنمية المجالية، الهندسة المعمارية، الاقتصاد الاجتماعي، المشاركة المواطنة، الحكامة المحلية، العدالة الترابية، العمل الجمعوي


 

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 20 يونيو/جوان 2025
في نفس الركن