كتاب الرأي

حين تبيع الجزائر كيمياءها لتل أبيب وروحها للبوليساريو


خلف شعارات المبادئ الكبرى، غالبًا ما تختبئ مصالح شخصية وأرباح واضحة… النظام العسكري الجزائري يصرخ ضد التطبيع في العلن، لكنه يمارس التطبيع في الخفاء، فواتير الصفقات تشهد على ذلك. بينما يهدر مليارات الدولارات على البوليساريو كلوحة وهمية، يجني في المقابل ملايين الدولارات من صادراته لإسرائيل… النتيجة؟ دبلوماسية منقسمة، تبيع الوهم وتشتري المصداقية بالمكيال الكيميائي



هناك مهرجون في السيرك، وهناك مهرجون الدولة… وعبد المجيد تبون يجمع بين الاثنين : بهلوان التناقضات وساحر الخطابات المزدوجة .،يومًا يتحدث عن "ثروات طائلة أُهدرت في قضية الصحراء المغربية!" وكأن الأموال الضائعة ستنبت نخيلًا بلاستيكيًا في مخيمات تندوف، ويومًا آخر يوزع شيكاته سرًا لشراء ذمم بعض القادة الأفارقة، على أمل تبادل القناصل بالضمائر.
 

لكن دفتر الشيكات السحري لتبون فقد قوته. آخر مثال، دعوته للرئيس التشادي ديبي لمعرض الجزائر التجاري الإفريقي، وعد، وزّع الحوافز… لكنه تلقى رفضًا صارمًا، والأسوأ: تشاد تفتتح قنصلية في الداخلة المغربية. رسالة واضحة: شكراً على الدعوة، لكننا نفضل الواقع على الكلام النقدي.
 

كانت ضربة دبلوماسية موجعة للنظام العسكري، المعتاد على رمي أموال الشعب كما يُرمى الفستق للقردة. إفريقيا تغيّرت، لم تعد تقبل الشعارات المكررة والأموال الملوثة بالنفاق، بل تريد شراكات حقيقية: طرق، موانئ، مشاريع ملموسة.
 

السخرية الكبرى تكمن في تناقض الأرقام : بينما يتهم تبون المغرب بـ"الخيانة" لتطبيعه مع إسرائيل، تكشف بيانات الأمم المتحدة أن الجزائر تصدر لإسرائيل في 2024 ما يزيد عن 32 مليون دولار، أغلبها مواد كيميائية وهيدروجين. أي أن الجزائر تمد "العدو" الذي تزعم محاربته بالمواد الأساسية. البوليساريو يغرق في الشعارات، وتل أبيب تستفيد من العقود.
 

حتى التفاصيل الصغيرة تضيف فصولًا من التناقض : بند بـ1000 دولار من "بضائع غير محددة"، ربما سجاد صلاة من تندوف أو مناديل لمسح دموع المسؤولين وهم يشاهدون ارتفاع الصادرات الجزائرية لإسرائيل.
 

لسنوات، ظل الجنرالات يلوّحون بأصابع الاتهام للعالم العربي: "العار على من يطبّع مع الكيان الصهيوني!"… لكن الأرقام الصارمة تظهر الوجه الآخر: خلف الخطابات الوطنية والشعارات الحماسية، الجزائر تمارس التطبيع سرًا.
 

في هذه الأثناء، يتهم تبون المغرب بـ"الخيانة"، بينما الرباط يعلن اختياراته صراحة. المغرب يبني، يجذب الاستثمارات، يفتح القنصليات، ويطبخ مصالحه تحت الشمس، فيما الجزائر تُحضّر صفقات في الظلال. هذا النفاق ليس جديدًا: منذ 2017، الصادرات الجزائرية لإسرائيل تصاعدت من 9,7 ملايين دولار في 2020 إلى 21 مليونًا في 2022. بينما تلفزيونات الجزائر تصرخ ضد "التطبيع المخزي"، كانت شحنات الهيدروجين تعبر البحر بصمت.
 

المفارقة الكبرى أن MIT صنف الجزائر في المرتبة الرابعة عربيًا في الصادرات لإسرائيل، بعد الإمارات والأردن ومصر. الجزائر إذًا ضمن نادي "المطبّعين"، ولكن بلا بطاقة عضوية رسمية، للاحتفاظ بالواجهة.
 

النتيجة كاملة:
 

خارجيًا، الجزائر تدافع عن فلسطين وتهاجم المغرب.

داخليًا، تشغّل مصانعها لصالح الاقتصاد الإسرائيلي.

إفريقيًا، تهدر المليارات على البوليساريو المعزول.

مليارات مهدرة جنوبًا، ملايين مكتسبة شرقًا… أموال الشعب تلعب ألعاب التوازن، بينما الشعب يعاني من نقص أبسط مقومات الحياة.
 

متى ستظهر على جدران الجزائر العبارة التالية؟: "فلسطين سواء كانت على حق أو خطأ… لكن مصالحنا أولًا". وبينما الشعب يقتات على الخطابات الجوفاء، يتغذى الجنرالات بالدولارات، وعندما يقسم تبون أنه يدافع عن الكرامة، فهو في الحقيقة يدافع عن كرامة تناقضاته.
 

الجزائر العسكرية تشبه الساحر الفاشل في حفلات الزفاف الشعبية: يخرج وشاحًا أخضر-أبيض-أحمر من قبعته، لكن في جيبه دائمًا إيصال تحويل بنكي… والمغرب، في المقابل، يواصل التقدم، يبني، يجذب الاستثمارات، ويبتسم كقط التهم الفأر مسبقًا


الجزائر، المغرب، البوليساريو، تطبيع، إسرائيل، عبد المجيد تبون، الصحراء المغربية، الدبلوماسية





الجمعة 19 شتنبر 2025
في نفس الركن