كتاب الرأي

المجتمع المغربي بين التقليد و الحداثة السلفية و اليسار إلى أين؟


سؤال لا بد من طرحه في البداية لتبين ما الجدوى ( في واقع مجتمع لا يرى الديموقراطية و الانتخابات إلا من خلال منظار قبلي محض و راسخ لا يحيد عن تسييد أعيان الوجاهة الاجتماعية و المالية... ) من سلفية و يسار اشتراكي و شيوعي ظلا لا يراوحا في حركيتهما النضالية حدود الخطابة و المطالب النقابية دون الإقدام الفعلي على التغلغل في النسيج المجتمعي لتحقيق التغيبر المنشود.؟!!!



بقلم علي تونسي: باحث في سوسيولوجيا المعرفة

فما الجدوى إذن؟!!!
بعد انهيار السور 
و بعد انفراط عقد اللؤلؤ 
رفرفت الأفكار و الذكريات
دخلت رفقة الأمس غرفة الإنعاش
و كذا حماسة الإخوة و الرفاق
فساد رأس مال التفاهة
و سادت الأوزار

.  إنه في أفق الانتخابات العامة و الترابية المقبلة في المغرب سنة 2026 ، يسعدني توجيه الدعوة إلى القراء الكرام للإطلاع معا و سويا ( بنون الجماعة تأكيدا ) على بعض معالم و أسس شخصية المجتمع المغربي بالدراسة و التحليل المقتضب ما أمكن دون الإسهاب، نظرا لأن إشكالية الموضوع شائكة و متفرعة و  تتطلب مجالا واسعا للكتابة و الاستطراد  مما لا يسمح به حيز هذا المقال / البحث المتواضع. فتلك الاسس و المعالم التي شكلت لحمة وحدة متماسكة لإثنيات و ثقافات مغربية متعددة ( عربية و بربرية أمازيغية و حسانية بيضانية و يهودية و روافد إفريقية سودانية،...) و التي بانصهارها في وحدة فريدة متميزة بتعدديتها منحت لهذا المحتمع المفربي هويته و أصالته جدارا قيميا صلبا يصعب اختراقه منذ  ازمان مرت و ما زالت، رغم ما مر به من احتلال و غزو و استعمار، منذ الاكتساح الروماني إلى الاستعمار الفرنسي و الآسباني. ( الظهير البربري نموذجا بأبعاده الخطيرة في حفر خندق التفرقة العرقية و التمهيد لحرب أهلية بين مختلف الإثنيات و الثقافات،  تهدد الوحدة الوطنية و الترابية  بالانفجار و الانشطار ) 
 و نذكر هنا بين قوسي الاستطراد أن تاريخ الحركة الوطنية  في المغرب، وعلاقتها بالحركات الاستقلالية في شمال إفريقيا و الوطن العربي و غيره من بلاد العالم شرقا و جنوبا و التي رزحت و ما زالت بأساليب مختلفة تحت نير الاستعمار الغاشم و قهر الاستبداد الظالم،  ما زال هذا التاريخ يعاني من قلة البحث العلمي و الدراسات الأكاديمية، رغم المخزون الوافر من الدراسات و الأبحاث الكلونيالية الموروثة عن المؤسسة العلمية بالمغرب  (  la mission scientifique au MAROC )، أنظر بهذا الصدد كتاب / مجلدات:  ( مدن و قبائل في المغرب / villes et tribues au MAROC ). و أيضا هناك  الدراسات التاريخية و السوسيولوجية و الاستشراقية  حول شمال إفريقيا ما قبل الإستعمار و تمهيدا له و كذا للعالم العربي و الإسلامي و بلدان إفريقيا و آسيا و أمريكا الجنوبية / اللاتنية... توازيا و انسجاما مع حركية الوفود التبشيرية المسيحية.

.  إنه في خضم عالم شهد و ما زال أمواج  تحولات فكرية و اقتصادية عميقة و عاتية منذ عصر النهضة و الثورة الصناعية الأوروبيتين و تحرر الولايات المتحدة الأمريكية من الاستعمار البريطاني. و ما سبق ذلك او صاحبه من حروب صليبية مقدسة لتحرير أروبا من  مخلفات الوجود الإسلامي ( الأندلس نموذجا و بعدها الخلافة الإسلامية العثمانية. و حروب الإبادة في البوسنا و الهرسك،...). و حروب أهلية و قومية و عرقية أوروبية مرهقة، أغلبها من أجل توسع المجال الحيوي و البحث عن مصادر الثروة و الغداء، إلى حربين عالميتين مدمرتين، تم بعدهما  تقسيم العالم فكريا إلى إديولوجيتين مهيمنتين متصارعتين و تم أيضا تقسيمه جغرافيا ببناء جدار برلين كححد فاصل  بين الألمانيتين أو تحديدا ( بين قطبين نووين: الأول حلف وارسو الاشتراكي الشيوعي لأوروبا الشرقة، تحت قيادة الاتحاد السوفياتي. و الثاني حلف الناطو الليبيرالي الرأسمالي لأوروبا الغربية، تحت قيادة الولايات المتحدة. قطبين متناهضين اقتسما العالم. و سادت بينهما حرب باردة دامت 70 سنة من الخوف و التوجس من اندلاع حرب نووية بينهما لا تبقي و لا تدر، مما جعل أثناءها أنظمة البوليس و المخابرات و التجسس و التجسس المضاد تتقوى و تتغول ضاربة عرض الحائط المعاهدات الأممية لحقوق الإنسان، و الحرية و السلم و الأمان و الحق في الحياة،... و بالرغم من تبعات هذه الحرب الباردة و ما استتبعها من انقلابات أنظمة حاكمة في مختلف بقاع العالم الثالث، ظل المجتمع المغربي مخزني النظام  يعتمد في استمراره و حكمه على دعامتين متوازيتين قويتي التأثير: الأولى دينية تتمثل في السلطة الصوفية للزوايا و الأضرحة  و الثانية  تنظيم قبائلي محلى وجهوى قائما على ركيزة القايدية ( مؤسسة أمغار و توابعها الممثلة في شيوخ و مقدمين )  و باختصار ما زالت سلطة التوجيه و المراقبة المخزنية المركزية تحكم قبضتها من  ثنائة ( المقدم و الفقيه ). 

.  هكذا إذن اكتسب المجتمع المغربي بعراقتة التاريخية و نظامه المخزني حصانة و مناعة ذاتية صلبة و شرسة قي وجه كل محاولات اختراقه و الهيمنة عليه طول الوقت. و من تمة فإن الفكر اليساري الوافد عليه حديثا  لم تتح له، لهذه الأسباب  و غيرها التي سننتناولها بالدرس و التمحيص لاحقا، فرص التغلغل في النسيج الاجتماعي و الفكري و النفسي للمجتمع التقليدي المغربي، مما سمح في المقابل  للفكر السلفي الإسلامي المتنور و الفكر اليموقراطي الوطني اليميني من التعايش مع طبيعة المجتمع المغربي التقليدي لفترة من الزمن بعد الاستقلال مستثمران فيها ذلك الفيض و الحشد الوطني الشعبي الناتج عن مقاومة الاستعمار و ثورة الملك و الشعب  لتحرير الوطن إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث تسببت المكائد التي تعرض لها النظام و محاولاتي الانقلاب عليه بزج البلاد قاطبة في حالة استثناء و في فترة عصيبة أطلق عليها ( سنوات الرصاص ). 

.  و عليه فإن ما يتطلبه التحليل العلمي للمجتمع المغربي ( نموذج غير منفصل عن اطاره الاقليمي )  ضمن ضررورات فهم  اشكالي للمرحلة الممتدة منذ مؤتمر إيكس ليبان ( الذي تقررت ضمنه شروط استقلال المغرب و نوعيتها و تداعياتها المشؤومة...) إلى يومنا هذا، سنتناول بالدرس و التحليل مجموعة من عوامل الإحباط سواء بالنسبة للفكر الوطني ذي الشرعية التاريخية أو للفكر اليساري الاشتراكي و الشيوعي في المغرب. و القيود و العراقل الموضوعية التي ستحول دون تقدم و تغلغل نشاط الأحزاب الوطنية / الأذرع السياسية لهذين الفكرين: ( الوطني و اليساري ) في الأوساط الشعبية للمجتمع المغربي. مع استحضار بعض الأمثلة و الحكايات ذات الرمزية المقارنة. 

.  نشير في البداية  الى ان طبيعة المجتمع المغربي قبل و بعد الاستقلال لم تتاهل بما يكفي لاحتضان و نمو الشروط الواقعية بالنسبة للفكر اليساري و تنزيل النظرية الماركسية في شقها التطبيقي للتغيير الاجتماعي في مجتمع  ترسخت فيه الأسس الموضوعية و التاريخية لانتفاء ذلك التغيير، رغم مخاض الصراع المحتدم بين استمرار الوضع المحافظ التقليدي في مقابل محاولات خضخته في اتجاه التحديث و الدمقرطة من طرف  اليسار الاشتراكي الشيوعي أو الليبيرالي الرأسمالي محليا و اقليميا و دوليليا. مما سيظل معه المجتمع المغربي نموذج نظام سياسي و اقتصادي فريد لوحده ضمن محيطه والإقليمي و الدولي. و لتبيان ذلك  سنسوق هنا من بين اسس الانتفاء السالف ذكرها ما يلي:

1 -   إنه، رغم محاولات  التحديث التبريري التي سيقوم بها الاستعمارين الفرنسي و الإسباني،  سيظل المجتمع المغربي في معظم مجالاته الإقتصادية و الاجتماعية و الفلاحية محافظا تقليديا ( ما قبل افيودالي ) لم يتغير عما كان عليه ما قبل الاستعمار،  ليستمر بلدا فلاحيا يخطو ببطئ شديد في اتجاه نشوء فيودالية محلية نسبيا ضعيفة و مختلفة تماما عن واقع الفيودالية الغربية ما  قبل الثورة الصناعية. و ذلك نتيجة طبيعة مناخه الجاف نسبيا و قليل التساقطات المطرية و كذلك مروره بفترات جفاف لسنوات عجاف متلاحقة من جهة. ومن جهة ثانية فإن الأراضي الفلاحية تشهد تفكيكا عبر الأجيال  بسبب الميراث و كثرة الولادات. و هو ما يحول دون تجمعها في وحدات كبيرة كوسيلة إنتاح قوية. بل حتى الأراضي المسترجعة من المعمرين بعد الاستقلال تم ضمها لأملاك الدولة في إطار شركتين لتدبيرها و توزيعها ضيعات للكراء بأثمنة رمزية لمدد زمنية محدودة قد تصل إلى تسع و تسعون سنة دون مراقبة و لا تتبع إداري  لمدى نجاعتها ولا لدفتر الاتزامات،   على كبار الشخصيات و المسؤولين المدنيين و العسكريين. و حتى الأجانب المستثمرين في المغرب. 

2  -   على المستوى الثقافي و الفكري ظل المجتنع المغربي في غالبيته العظمى مرتبطا برسوخ شديد إلى قناعاته التقليدية المحافظة و الغيبية الأسطورية في عمق بنيته النفسية و الثقافية الضاربة عمقا في التاريخ و المتجددة بفعل إحياء عدة مناسبات و مواسم و احتفالات، ( عاشوراء نموذجا ) سواء في القرى أو  الجبال أو في المراكز الحضرية و هوامشها الهشة. و كذلك نفس الحال على مستوى مختلف الشرائح الاجتماعية سواء الأميين منهم أو غالبية متعلمي السلكين الإعدادي و الثانوي و كثير من خرجي المدارس العليا و الجامعات و في أوساط الصناع التقليديين و الباعة المتجولين و أصحاب المهن الحرة البسيطة و العليا مع الأسف.

3 -   فإن غالبية المجتمع العظمى كانت و ما  زالت و ستبقى، بلا أدنى شك و بنسب عالية حتى، بسبب تزايد تردي مستوى التعليم و التربية و الإعلام، تؤمن بقداسة الأضرحة و الزوايا و التصوف بمختلف أنواعه ة السحر و الدجل، حيث لا تفاجؤونا رؤية العشاب يتحول إلى صيدلي و متخصص في تشخيص الأمراض حتى المزمنة منها. و يتقمص الدجال دور الطبيب و الناصح و المحلل و الطبيب النفسي و الاجتماعي. و تقوم  الأضرحة مقام  المستشفيات العمومية في استقبال و إقامة المرضى. و ما يستتبع ذلك من إعمال السحر و طقوسيات الشعوذة و ممارساتها... ( أنظر بهذا الصدد المرجعين 1 و 2 في نهاية المقال ). و مرد ذلك يكمن بقوة  في فاعلين سلبيين كالتالي:
-  أولا: الجهل و الفقر من جهة

-  ثانيا: الإيمان الجمعي الراسخ ثقافيا بأن العيش تحت نير الأوضاع الاجتماعية المزرية و الرضوخ للظلم الاجتماعي بما فيه اعتبار المرأة تابعة و خاضعة للرجل و ان لا يتعدى دورها في الحياة أبعد من الزواج و تكاثر النسل و تربية الأولاد و القيام  بالأشغال المنزلية فقط لا غير.

 و الأكثر مرارة هو أن كل ذلك التخلف الفكري و الظلم الاجتماعي يبقى في المنظور المجتمعي و المخيال الفردي و الجمعي معتقدا راسخا ثراثيا و تاريخيا على أنه قدر و نصيب غيبي لا مفر منه إلا القبول به و التعايش معه... 

و في إطار المقارنة فإن كان ذلك فكر و قناعة غالبية عظمى لا تتوفر على مؤهلات التطور و لا تسعى إليه إطلاقا، فإن هناك بالمقابل ( غير التعادلي ) أقلية تعيش بحبح الثراء المادي و الإجتماعي و التحرر الفكري، تراقب و تتحكم في كل وسائل الثروة و الارتاقاء الاجتماعي، تملك كل شيء و تتطور بسرعة فائقة ملحوظة في مختلف مجالات المال و الأعمال و الإدارة و السياسة و التعليم التقني العالي و العلوم التطبيقية و الإعلامياتية الرقمية و اللغات الأجنبية،... أقلية مستفيدة من أوضاع تخلف المجتمع و لا تبادر إلى رقيه و تقدمه بالمرة. إلا بما يسمح كواجهات عمرانية و سياحية تساهم في الترويج لمشاريعها التجارية و المقاولاتية. و لا تنعكس في الغالب على الحياة الاجتماعية و واقع المعيش اليومي للأغلبية المقهورة...

4 -  ينضاف عامل محبط آخر يتمثل في الفوارق المجالية و البيئية في التنمية بين سرعة تطور البنيات التحتية و الصناعية  في بعض المراكز الحضرية الكبرى شمال البلاد و جنوبها عن غيرها في القرى و الجبال. و كذا سرعة النمو في مجالات ذات الطابع الخاص و المقاولاتي في التعليم و الصحة و السكن عن غيرها ذات الطابع العمومي...                                   

.  و عليه فحينما يعمل الإذمان بمختلف أنواعه المادية و العقائدية على تغييب الوداعة الملائكية و ضمير المروؤة في الإنسان، ثم يعري ما ستر الله من مضمور في نفوس تأدت بوساوس الإمبريالية الجشعة المتوحشة... فقد تتحول حالة الصحو بلا شك إلى حالة مريضة فصامية مستعصية و مصدر آلام نفسية مرهقة، قبل أن تتفاقم إلى آلام عضوية و إجتماعية و اقتصادية و سياسية و إجرامية حتى...

.  و نسبة لذلك فقد قيل صحيحا أنه إذا لم  يكن الحب أو النضال الوطني يوما، في منظور الشعراء و المتصوفة و الزهاد، ساحة لتجارة السوق و لا أداة أو وسيلة لها، فإن من يطلب الولاية لا يولى، إلا ما شاء ربك فقضى و لا راد لقضائه. 

. ثم ألم تقم مؤسسة الأسرة في المجتمع المغربي منذ الزمن القديم عراقة التاريخ على مراسيم و المتطلبات المالية و الاجتماعية للزواج  التقليدي، سواء في القبائل القرى و الجبال أو في اوساط الأقلية المحظوظة في المدن، بالحفاظ على الأنساب في الغالب الأعم و على القيم الأساسية  لتسلسل الجاه و السلطة و الميراث و شجرة الشرف الاجتماعي و المالي و النخبوي عبر الأجيال... و ما يستتبع ذلك من انعكاسات آلية على واقع الاقتصاد و السياسة و الانتخابات و توزيع الثروة و حظوظ الإثراء و الارتقاء الاجتماعي؟!!!

.  و استحضارا  للعبر مما ذكر  نسوق حكاية قديمة عن ذئب تم انتخابه خوفا و تقربا و تملقا من طرف بعض قطعان غنم في جزيرة الوقواق ليتولى منصب الراعي الكبير في البلاد، كما في قصص كليلة و دمنة، فلما تقدم  لأداء القسم بكى متشيطنا متمسكنا بكاء شديدا من الفرحة و الدهشة و البهتان معا. و كذا من خوفه العميق أن ينجح معارضوه في وضع ملتمس رقابة و إسقاطه. فثارت القطعان باكية و أقامت الدنيا و أقعدتها دفاعا عن الذئب و عن نزاهته و براءته من دم يوسف و  افتراس الخرفان.

5 -   و طبعا بالإضافة إلى ما سبق و مع غياب قاعدة برجوازية وطنية فاعلة في مجال النمو الاقتصادي و ما يستتبعها من شروط الصراع الطبقي المؤسس لليسار الفاعل في الواقع المجتمعي سياسيا و نقابيا، سيظل الفكر اليساري المغربي لا يراوح مكانه بين المتشدد احيانا و المتهادن أحيانا أخرى حسب الظروف  و متطلبات التقية.  هذا اليسار الذي باعتباره آلية اجتماعية سياسية لبث الوعي الطبقي في المجتمع و تهييئه لتحقيق التغيير الاجتماعي المنشود لم يتجاوز في الغالب الأعم بعض المحاولات المحتشمة لتأطير الشباب و المجتمع من خلال  جمعيات ثقافية و فنية و مدارس و جامعات و عمل نقابي على مستوى بعض المراكز الحضرية الكبرى فقط، دون اهتمام يذكر بالمناطق القروية و الجبلية، في مرحلة الثلاثة عقود الأولى بعد الاستقلال. و هي مرحلة الأوج الأيديولوحي و الفكري و الصراع المحتدم بين الشيوعية و الليبيرالية.( موظة العصر في العالم كله و التي ستشهد تراجعا كارثيا بعد سقوط جذار برلين، تاركة الصولة لقيم التجارة المادية و سيادة المال و جشع الليبيرالية المتوحشة ) طبعا سينعكس هذا التراجع على اليسار المغربي و على كل الأحزاب الاشتراكية في الوطن العربي و أجيالها  بالضعف و التراجع، بل سيتم اختراقها وتحولها هي و باقي الأحزاب الوطنية السلفية منها و الديموقراطية إلى جماعات متناحرة  بفعل الصراعات الداخلية و التهافت على المناصب و المكاسب الشخصية... فما الجدوى إذن؟!!!

6 -  علما أنه قبل ذلك بقليل فقد شهدت المراكز الحضرية و بعض القرى في المغرب و الساحات الجامعية و مساجد الأحياء السكنية الكثيفة و مدن الصفيح و دوائر الفقر و الهشاشة المتسعة في هوامش المدن تنزيلا مكثفا لثيارات السلفية الإسلامية و الوهابية الجهادية،  التي تؤمن بالعنف و تحرض عليه. 

.  و الملاحظ جليا في هذا الصدد بما لا يدعو للشك قيد أنملة أن ذلك التنزيل قد تم برعاية و مباركة السلطة التقليدية الحاكمة و ترويضها  للمدرسة التعليمية و التحكم في برامجها البيداغوجية  و الإعلام العمومي بما يخدم أهداف المرحلة الحرجة التي تمر متها سياسيا و اقتصاديا،  في أفق إحداث توازن سياسي ( بين المد الاشتراكي الشيوعي الانقلابي في الوطن العربي و المد الإسلاموي الدعوي و  الجهادي ) و الذي لا يخلو من نية خلط الأوراق و تأسيس أحزاب إدارية جديدة تفوز بقدرة قادر بأكبر عدد من المناصب البرلمانية في الإنتخابات العامة. و بث مراقبين للطلبة في ساحات الجامعات و مدرجاتها و قاعاتها و مكتباتها و مقاصفها و في الأحياء الجامعية يطلق عليهم إسم < أواكس > من طرف الطلبة..

.  كل ذلك طبعا  لمناهضة الأحزاب الوطنية و اليسار و اليسار الراديكالي المتشدد و المد السلفي الجهادي. و هو ما سيتفاقم معه الاختلال الاجتماعي أو ما يطلق عليه ب (  الأنوميا الاجتماعية )  في اتجاه مزيد من الهضر المدرسي و ارتفاع نسبة الأمية و الجهل و إذمان المخدرات و المرض و الأمراض النفسية و العقلية و التشرد و عصابات النصب و الاحتيال و التسول الاحترافي.

.   أمام هذا الوضع المزري الذي آل إليه المجتمع المغربي و ضغف تعاطي الأحزاب  السياسية المغربية معه بما يستوجب القيام بأدوار طلائعية لمناهضة أسبابه و السياسات التي أنتجته، سيتحول الفكر اليساري المغربي و معه الفكر السياسي الوطني ذو الشرعية التاريخية  إلى خارج حلبة الصراع، لا يتجاوزان  حدود الخطابة و التظاهرات و التمظهرات  المناسباتية و المطالبة المحتشمة أو المتشددة أحيانا بالديموقراطية الحقة و التغيير الاجتماعي، بعيدا عن أي مبادرة حقيقية لتفعيل مطمح هذا التفيير المنشود...
  فما الجدوى إذن؟!!! 

 ما الجدوى من انتخابات عامة تسفر دوما عن نفس النتائج و النخب حتى و إن تغيرت أحيانا بعض الوجوه و الأسماء؟!!!  
 و مع اقتراب كل دورة إنتخابات عامة و ترابية  جديدة يتم فدلكة خطط و خرائط و شعارات و نداءات لمشاركة شعبية و شبابية كثيفة في التصويت. و كذا تحليلات إعلامية مدعمة من كل صوب و حذب... و بعدها و على بعد يوم من موعد الاقتراع أو في يومه بالذات تشاع اخبار عن تنزيل أموال طائلة غير معلومة المصدر و توزيعها بسخاء حاتمي لشراء الأصوات. و كل ذلك في طبيعة الأشياء  الواضحة في نظرنا و للعيان مجرد  مسرحية رديئة التأليف و الإخراج للضحك على الذقون و تبرير نتائج انتخابات هي متحكم في خريطتها بلا مساوغة قبلا و بعدا... كجميع الإنتخابات في دنيا السياسة و الديموقراطية المفترى عليها.

ثم كما يقال في المثل الشعبي العريي
--  << تبقى دار لققمان على حالها >> 
في انتظار دورة اخرى لانتخابات جديدة و هكذا ذواليك إلى ما شاء الله. 
.  و يبقى مصيرنا النضال و  الانتظار .. ثم الانتظار...
.   كفى  فقد هرمنا نضالا و انتظارا...  فما الجدوى إذن،!!!
و ختاما إننا حتما في حاجة ماسة أكثر من ذي قبل إلى زعيم أمة يعيد لها بريقها الفكري المبدئي و الأخلاقي الوهاج.
لقد رحل الزعيم علال الفاسي تاركا وراءه دخيرة النقد الذاتي و التعادلية الاقتصادية و الاجتماعية. ( و في الليلة الظلماء يفتقد البدر )                           
المرجعين:
1 -  علي تونسي، الشباب الحضري و الأيديولوجيات المعاصرة، بحث ميداني لنيل ديبلوم المعهد الملكي لتكوين أطر و زارة الشبيبة و الرياضة. تحت إشراف المرحوم  الدكتور محمد سبيلا الرباط المغرب، سننة 1884.

2 - علي توتسي و أخرون، حي عين السبع و  تنميته بين الحوافز و العوائق - دراسة 
سوسيوغرافية للدار البيضاء، بحث ميداني لنيل شهادة التخرح قي علم الاجتماع من جامعة محمد الخامس - كلية الآداب و العلوم الإنسانية ب أكدل الرباط المغرب، تحت إشراف المرحوم  الدكتور رشدي فكار. سنة 1985..            




الثلاثاء 4 نونبر 2025
في نفس الركن