كتاب الرأي

السعودية وباكستان يعيدان رسم الخريطة الاستراتيجية


هناك اتفاقيات دبلوماسية تمر دون أن يلتفت إليها أحد، وأخرى تُحدث صدىً قويًا كضربة برق. اتفاقية الدفاع الاستراتيجي بين السعودية وباكستان تنتمي إلى الفئة الثانية. وقعها ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس الوزراء شهباز شريف، وتؤسس لتحالف عسكري غير مسبوق، واضح المعالم ومليء بالوعود الصارمة: أي هجوم على أحد الطرفين سيُعتبر إعلان حرب على الآخر



بقلم محمد آيت بلحسن

 التاريخ الحديث للشرق الأوسط وجنوب آسيا شهد تحالفات متقلبة، غالبًا ما كانت مرتبطة برغبات القوى الكبرى. لكن هذه المرة، تعلن الرياض وإسلام آباد عن عزمهما على استعادة زمام المبادرة. هذا الاتفاق ليس مجرد إعلان نوايا، بل يفرض على البلدين التزامًا صريحًا بالتضامن العسكري، مع إمكانية التدريبات المشتركة، تبادل المعلومات الاستخباراتية، والاستجابة المنسقة لأي تهديد.
 

الرسالة واضحة : السعودية لم تعد ترغب بالاعتماد فقط على حلفائها الغربيين لضمان أمنها. وبالنسبة لباكستان، فإن الاتفاق يمنحها وسيلة لتعزيز مكانتها الإقليمية، مستندة إلى قوة مالية تستطيع دعم طموحاتها العسكرية والدبلوماسية.
 

رغم أن الاتفاق لم يذكر الأمر صراحة، إلا أن الشكوك حول البعد النووي موجودة. السعودية دعمت برامج باكستان الاستراتيجية لعقود، والقرب بين البلدين يثير تكهنات: هل يمكن للسعودية، في حال تصاعد التوتر، الاعتماد على الردع النووي لحليفها؟ الدبلوماسيات الغربية تتجنب طرح هذا السؤال علنًا، لكنه حاضر في الأذهان.
 

في منطقة يواصل فيها إيران تطوير برنامجها النووي، وإسرائيل لم تعترف رسميًا ببرنامجها، بينما تعيد الولايات المتحدة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية، فإن احتمال وجود مظلة نووية مشتركة بين الرياض وإسلام آباد سيغير ميزان القوى الهش بالفعل.
 

ما وراء النص، الاتفاق يحمل رسالة قوية. بالنسبة لواشنطن، يعني أن عصر الاعتماد الحصري انتهى. أما الرياض، فهي تعتبر أن التردد الأمريكي، سواء في الانسحاب الفوضوي من أفغانستان أو المواقف الغامضة تجاه النووي الإيراني، أضعف مصداقية حليفها التاريخي.
 

وفي طهران، الرسالة واضحة أيضًا : مساحة المناورة تقل. إيران، التي تواجه بالفعل ضغطًا عسكريًا أمريكيًا وعقوبات، ترى أمامها جدارًا استراتيجيًا جديدًا في جنوب حدودها.
 

وبالنسبة لتل أبيب، الرسالة أقل وضوحًا لكنها حازمة: الحسابات الإقليمية لن تُحسم بعد الآن بمعزل عن الآخرين. السعودية، التي طالما كانت مرشحة للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، تؤكد أنها تمتلك أوراقًا أخرى وستلعبها بحكمة.
 

هذا التحالف يعكس تحولًا أوسع: الشرق الأوسط لم يعد ملعبًا فقط للقوى الخارجية، بل أصبح منطقة يبني فيها الفاعلون المحليون أطرهم الأمنية الخاصة. السعودية، التي تواصل مبادراتها التنموية عبر رؤية 2030، ترغب الآن في تعزيز استقلاليتها العسكرية. وباكستان تجد في هذا التحالف فرصة للخروج من عزلتها الدبلوماسية واستثمار موقعها كقوة نووية إسلامية.
 

لكن خلف صخب التوقيعات، تظل أسئلة كبيرة: هل ستصمد هذه التضامن «حتى الموت» أمام الواقع؟ ماذا لو انخرط أحد الطرفين في نزاع لا يرغب الآخر فيه؟ التاريخ مليء بخيبات الأمل الناتجة عن التحالفات العسكرية. والخطر أيضًا أن يزيد هذا الاتفاق من التوتر في منطقة عسكرية بالفعل، حيث تتعدد خطوط المواجهة من اليمن إلى السودان.
 

استمرارية هذا التحالف تعتمد على قدرته على تجاوز الرمزية ليترجم إلى هياكل دائمة، تدريبات مشتركة منتظمة، ورؤية مشتركة للأمن الإقليمي.
 

وفي النهاية، يشكل الاتفاق نقطة تحول : بربط مصيرهما العسكري، تعيد السعودية وباكستان رسم المعادلة الإقليمية. الاتفاق ليس مجرد عقد ثنائي، بل تحذير لمن اعتقدوا أنهم يمكنهم فرض قواعد اللعبة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا بمفردهم.
 

هذا التحالف يوضح حقيقة أوسع : في عالم تتغير فيه التوازنات العالمية، تتزعزع التحالفات التقليدية، وتظهر تحالفات جديدة. السعودية وباكستان ذكّرتا أن المستقبل لمن يعرف كيف يتوقع، يوحد قواه، ويستعد لمواجهة العواصف معًا


السعودية، باكستان، تحالف عسكري، دفاع استراتيجي، الشرق الأوسط، جنوب آسيا





الاثنين 22 شتنبر 2025
في نفس الركن