بقلم : عدنان بنشقرون
من هذا المستجد يبرز سؤال أشبه بفرضية خيالية : ماذا لو قرر حزب سياسي في المغرب أو في أي بلد آخر، خلال انتخابات 2026، تقديم مرشح ذكاء اصطناعي بصفته مرشحاً رسمياً؟ الفكرة قد تبدو ساخرة، لكنها في العمق محاولة لإعادة بناء خيط الثقة المقطوع بين الناخبين والسياسيين.
فالسياسة المعاصرة تعاني من أزمة ثقة عميقة، المواطنون يشككون في وعود لا تتحقق وبرامج تنهار أمام الواقع، وهو ما انعكس في ارتفاع نسب العزوف، واللامبالاة، وحتى التصويت العقابي. في مواجهة هذا الواقع، قد يبدو تقديم الذكاء الاصطناعي كواجهة انتخابية بمثابة صدمة: مرشح لا يكذب، لا يسرق، ولا يسعى لتوظيف الأقارب أو مراكمة الامتيازات. آلة بلا مصالح شخصية، تَعرض نفسها كدواء ضد الفساد والزبونية.
لكن السؤال يظل مطروحاً : هل تقوم الثقة فعلاً على غياب العواطف والرغبات، أم على القدرة على محاسبة مسؤول من لحم ودم؟ فالقوانين الانتخابية اليوم تشترط الجنسية والسن والتسجيل في اللوائح، وهي شروط يستحيل أن تتوفر في خوارزمية لا تملك جواز سفر ولا شهادة ميلاد. وحتى إذا تم الالتفاف على هذه المعضلة عبر مرشح بشري "واجهة"، فإن من يقود القرار فعلياً سيكون الآلة، ما يفتح الباب على إشكالات قانونية وأخلاقية معقدة.
السيناريو، لو تحقق، سيحدث فوضى غير مسبوقة داخل المؤسسات: نائب افتراضي يشارك عبر الشاشة، يرد على الأسئلة، ويقترح تعديلات بلغة برمجية باردة، بعض المواطنين قد ينجذبون للفكرة بدافع الانتقام من الطبقة السياسية، فيما سيراها آخرون تهديداً للديمقراطية، إذ كيف يمكن تفويض السيادة لكيان لا يشعر بالمعاناة ولا يتقاسم التجربة الإنسانية المشتركة؟
حتى الحملات الانتخابية ستتحول إلى مختبر غير مسبوق : خطابات بالهولوغرام، إجابات فورية، وفيديوهات مصممة خصيصاً لكل ناخب على حدة. غير أن هذه القوة التقنية قد تزيد الإحساس باللا إنسانية التي يُتهم بها الساسة أصلاً. وإذا ما تم انتخاب خوارزمية، فمن يتحمل المسؤولية عن قراراتها؟ الحزب، المهندسون، أم الناخبون أنفسهم؟ وكيف يمكن عزلها أو محاسبتها؟
المخاطر هنا جسيمة، إذ قد تُستغل حيادية الآلة المزعومة لتمرير انحيازات خفية تخدم مصالح من يسيطرون عليها. وهو ما يجعل هذه الفرضية قبل كل شيء مرآة تعكس إخفاقات السياسة في تجسيد النزاهة والشفافية والالتزام. فالذكاء الاصطناعي يصبح استعارة لما ننتظره من المنتخبين البشر: ذاكرة قوية، انسجام في الخطاب، والتزام بالوعود.
وربما يكون الدرس الأعمق أن الحاجة ليست لانتخاب الروبوتات، بل لمطالبة السياسيين بالارتقاء إلى مستوى الدقة والنزاهة التي توحي بها الخوارزميات، دون أن يفقدوا دفء التجربة الإنسانية. فالمستقبل القريب لن يشهد انتخاب ذكاء اصطناعي، بل توظيفه بشكل متزايد في صياغة القوانين، تقييم السياسات العمومية، أو خدمة المواطنين.
إن مبادرة ألبانيا بقدر ما بدت رمزية، فتحت ثغرة في جدار المألوف.، وإذا جاء يومٌ يُطرح فيه ترشيح الذكاء الاصطناعي بجدية، فسيكون ذلك بمثابة إنذار واضح : الديمقراطية مطالبة بأن تعيد ابتكار نفسها قبل أن تتجاوزها أدواتها الخاصة.
فالآلة، في النهاية، ليست بديلاً، بل كاشفاً، وإذا بلغنا مرحلة الرغبة في انتخاب روبوت نائباً، فذلك لأننا فقدنا الأمل في نوابنا البشر، وهنا يكمن التحدي الحقيقي : استعادة الثقة المفقودة دون التفريط في إنسانية السياسة