منذ 2021، تعلمت الأحزاب السياسية تقوية حضورها الرقمي. فالأحزاب الأكثر تمويلًا—بنجومها البارزة، وآلاتها التواصلية، وميزانياتها—أخذت أسبقية تُرجمت إلى حضور، وشهرة، وأحيانًا إلى دينامية انتخابية.
ويهيمن حزب التجمع الوطني للأحرار على هذه الخريطة بشكل واسع: أكثر من 112 ألف دولار استُثمرت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، في حين أن بعض أحزاب المعارضة لا تتجاوز حتى 100 دولار. مقابل كل دولار تنفقه المعارضة مجتمعة، يستثمر التجمع 750 دولارًا. تفاوت يثير سؤالًا حول طبيعة العدالة الانتخابية نفسها.
في عالمٍ يصبح فيه من يدفع هو من يتكلم، قررت الدولة شدّ الخناق. فالإصلاح 53.25، الذي تم اعتماده في اللجنة، يُدخل مبدأ بسيطًا لكنه استراتيجي: منع المنشورات المموَّلة على المنصات الأجنبية.
الهدف المعلن: مواجهة أي تدخل خارجي في الحملة المغربية.
الهدف الضمني: إعادة توازن ساحة لعب بدأت فيها القوة المالية تتحول إلى بديل عن النضال الميداني وعن الوجود الحقيقي على الأرض.
العصب الخفي في الحرب الانتخابية: التبرعات الخاصة للأحزاب
لا يمكن فصل موضوع الرعاية الرقمية عن ورش حساس آخر: تبرعات الشركات والأفراد للأحزاب السياسية.
لطالما سمح المغرب بنظام تُغذي فيه المساهمات الخاصة خزائن الأحزاب دون أن تقدم دائمًا الشفافية اللازمة. فالقانون يحدد سقوفًا صارمة، ويمنع أي تمويل خارجي—وهو مبدأ أساسي لحماية السيادة السياسية. لكن بين التبرعات المصرح بها، والمساهمات “الصديقة”، والمساعدات العينية، وخدمات التواصل “المهداة”، والتدفقات التي يصعب تتبعها، لا تزال المناطق الرمادية قائمة.
يحاول الإصلاح 53.25، من خلال جعل الأحزاب مسؤولة عن النفقات غير المصرح بها لمرشحيها، إغلاق هذه الثغرات. لكنه يترك السؤال الكبير بلا جواب: أين ينتهي الدعم الشرعي، وأين تبدأ السيطرة المشتراة؟
ما لم تُنشر مصادر التبرعات، ومبالغها، ومقابلها المحتمل في سجل يمكن الوصول إليه والتحقق منه، سيستمر المال السياسي في الدوران داخل الظل. فالمال لا يختفي؛ هو فقط يغيّر باب الدخول. والناخب في 2026، المعتاد الآن على منطق الشفافية، لن يرضى بهذا الغموض.
وتكشف هذه القيود المفروضة عن نقص أساسي: فالقانون يضع حدودًا، لكنه يترك مساحات واسعة دون تنظيم. بدءًا من التوقيت.
هل يسري الحظر فقط خلال الحملة الرسمية؟ هل يشمل كامل السنة؟ وكيف يمكن ضبط ممارسة تُنفَّذ، بطبيعتها، ببضعة نقرات، ومن أي بلد، وبأي وسيلة دفع؟
ومع ذلك، لا ينبغي لهذا الغموض أن يخفي التحول الأعمق: المغرب يريد تأطير المنافسة، لا خنقها.
الحكومة نفسها تُعد من أكبر المعلنين السياسيين على “ميتا”: 75 ألف دولار أنفقت عبر صفحة الحكومة، إضافة إلى ميزانيات عدة وزارات. ما يدل على حقيقة واضحة: القضية ليست منع التواصل السياسي، بل تنظيم مصدره، ومساره، وصدقيته.
ويضيف المحور الثاني، المتعلق بمحاربة الأخبار الزائفة، مستوى جديدًا من التعقيد. فالمادة 51 مكرّر تنص على عقوبات ثقيلة ضد إنتاج محتوى كاذب مرتبط بالانتخابات، بما في ذلك عبر الذكاء الاصطناعي. ندخل مرحلة يعترف فيها القانون المغربي بأن التضليل ليس مجرد ضوضاء، بل أداة تخريب ديمقراطي.
ومرة أخرى، يمشي النص بين الصرامة والمرونة: فقد حذف كلمة “الإشاعات” لأنها واسعة للغاية، لكنه حافظ على منطق حماية المسار الانتخابي. في بلد الحملات الانتخابية فيه قصيرة، والتوترات متقطعة، ووسائل التواصل متقلبة، هو محاولة لمنع الانتخابات المقبلة من التحول إلى معركة هلوسات رقمية.
بحلول 2026، يبني المغرب عقيدة جديدة:
لا رعاية قادمة من الخارج،
لا مالًا خاصًا مخفيًا،
لا مرشحين أشباح،
ولا محتوى سام متسلل إلى الخوارزميات.
ديمقراطية نظيفة، نظريًا.
لكن الممارسة تذكر بأن القانون يستطيع قول الكثير وحل القليل إن لم تتبعها آليات الرقابة.
فالمنصات دولية؛ والدعاية بلا حدود؛ وحنكة فرق التواصل غالبًا تتجاوز قدرة المنظمين. يضع المغرب الحواجز، لكن عليه بعدُ أن يبني البنية التنظيمية:
تعريف قانوني للإعلانات السياسية الرقمية، قواعد للأرشفة، تنظيم للميكرو-استهداف، والتزام المنصات بالتعاون.
في الحقيقة، البلاد تتقدم. ببطء، نعم، لكن في الطريق الصحيح.
وهذا ما يفسر، ضمنيًا، تلك الرغبة المعلنة في “المساواة والشفافية”.
فالانتخابات لا يجب أن تتحول إلى مسابقة ميزانيات.
والشبكات الاجتماعية لا يجب أن تحول صناديق الاقتراع إلى سوق.
والخوارزمية لا يجب أن تحل محل الثقة.
في منطقة أصبحت فيها الاضطرابات السياسية والمعلوماتية هي القاعدة، ليس هذا الجهد في الأخلاقية ترفًا، بل شرطًا للاستقرار.
قد تكون انتخابات 2026 أول استحقاقات نرى فيها مالًا أقل ظهورًا، لكن رهانًا أكبر وضوحًا.
انتخابات نعرف فيها أخيرًا من يتكلم، ولصالح من، وبأي موارد.
انتخابات تعود فيها الشفافية أداة للحرية، لا مجرد كلمة مستهلكة في الخطاب الرسمي