بقلم : عدنان بنشقرون
تثير التطورات الأخيرة في مجال الدعم الاجتماعي نقاشاً واسعاً. فقد أعلنت الحكومة المغربية، بقيادة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، عن رفع مبالغ المساعدات الاجتماعية ابتداءً من نهاية نوفمبر، دون المساس بأسعار غاز البوتان، الذي يعتبر ضرورياً للعديد من الأسر المغربية.
يأخذ هذا الدعم الاجتماعي شكل منح مالية : 250 درهماً للأولاد الثلاثة الأوائل سواء كانوا ملتحقين بالمدرسة أو تقل أعمارهم عن ست سنوات، و175 درهماً لكل طفل غير ملتحق بالمدرسة. أما الأيتام الذين فقدوا والدهم وكان عمرهم أقل من ست سنوات وملتحقون بالمدرسة، فتبلغ المساعدة 375 درهماً لكل طفل. ومن المهم أن تتلقى كل أسرة حدًا أدنى من 500 درهم، بغض النظر عن تكوينها.
الدولة الاجتماعية: نحو تعميم الحماية الاجتماعية
تؤكد الحكومة أن هذه القرارات تأتي انسجاماً مع رؤية ملكية واضحة. منذ 25 سنة، تم الترويج لمفهوم الدولة الاجتماعية من قبل الملك محمد السادس، الذي أطلق إصلاحات اجتماعية هامة، بما في ذلك برنامج تعميم الحماية الاجتماعية. واليوم، يغطي هذا البرنامج نحو 4 ملايين أسرة، تشمل أكثر من 12 مليون مستفيد، بينهم 5 ملايين طفل و1,5 مليون من كبار السن فوق سن الستين. وتؤكد الحكومة أن هذه الجهود تهدف إلى تعزيز الدولة الاجتماعية وتعميق التضامن المؤسسي.
لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون: هل هذه الإجراءات استجابة حقيقية للاحتياجات الملحة للمغاربة، أم أداة لزيادة شعبية الحكومة في سنة انتخابية؟ رغم أن تعميم الحماية الاجتماعية خطوة مشكورة، يبقى من الضروري معرفة ما إذا كانت هذه السياسة تحقق فعلياً مساواة اجتماعية وتقليص الفوارق بين الجهات.
الشيكات الانتخابية: انحراف محتمل؟
في هذا السياق، يخشى بعض الفاعلين السياسيين وقطاعات من الرأي العام من ما يعتبرونه انحرافاً محتملًا: استغلال الدعم الاجتماعي كأداة للضغط الانتخابي. فقد تُستعمل “الشيكات الانتخابية” لجذب أصوات الفئات الفقيرة عبر وعد بمساعدات فورية مقابل دعم سياسي. وإذا تحقق هذا السيناريو، فقد يضر بالمصداقية السياسية ويجعل العلاقة بين الدولة والمواطنين أشبه بتبادل المنافع.
تتعدد الانتقادات لهذا التوجه، معتبرين أنه يعزز ثقافة التبعية ويقوض الاستقلالية الاجتماعية. في المقابل، يرى آخرون أن هذه المساعدات ضرورية لتلبية احتياجات اجتماعية حقيقية ومستعجلة، مشيرين إلى ضرورة تقييم ما إذا كان نظام الدعم الاجتماعي الحالي منظماً بما يكفي لضمان تأثير مستدام على حياة الفئات الأكثر هشاشة.
إصلاح اجتماعي أم تكتيك انتخابي؟
الخيارات التي ستتخذ قبل انتخابات 2026 ستحدد مستقبل السياسة الاجتماعية في المغرب. هل ستصبح الشيكات الانتخابية أداة سياسية دائمة أم مجرد استثناء لحالة طارئة؟ السؤال مشروع ويجب أن يشكل مادة للنقاش خلال الأشهر المقبلة.
ومع ذلك، لا يمكن وقف بناء الدولة الاجتماعية لمجرد اقتراب الانتخابات التشريعية. التحدي يكمن في معرفة ما إذا كان المغرب قادرًا على تطوير سياسة اجتماعية مستدامة تتجاوز المناورات الانتخابية، لضمان مستوى معيشي لائق لكل مواطن وإتاحة الخدمات الأساسية بشكل عادل.
مستقبل السياسة الاجتماعية في المغرب 2026
تتجه الحملة الانتخابية لسنة 2026 لتكون تحت شعار الدعم الاجتماعي، مع ما يثيره موضوع الشيكات الانتخابية من جدل. ومع استمرار الفوارق الاقتصادية والاجتماعية العميقة، يجب التساؤل: هل هذه المساعدات تلبي الاحتياجات الأساسية للمواطنين، أم أنها مجرد سياسة قصيرة المدى؟
يجب التفكير في بناء تضامن اجتماعي حقيقي ومستدام يتجاوز الحسابات الانتخابية. المغرب بحاجة إلى سياسة اجتماعية طموحة ودائمة، لا مجرد حلول مؤقتة، لضمان العدالة الاجتماعية وتحقيق شمولية حقيقية للفئات الأكثر هشاشة