كتاب الرأي

أخنوش بين خيارين.. هل يعتني بمدينته أم يلمع صورته؟


ثمة مآسي تتحول إلى علامات بارزة في التاريخ، مأساة أكادير واحدة منها. وفاة ثماني نساء حوامل في مستشفى المدينة لم تُفجع العائلات فقط، بل أطلقت صدمة تجاوزت حدود قسم مكتظ بالمستشفى



بقلم محمد آيت بلحسن

 المأساة جسدت شعور السكان بالتهميش، بعد سنوات من الإهمال في قطاع الصحة العمومية. في 14 سبتمبر، خرج سكان أكادير إلى الشارع، حولوا حزنهم إلى غضب، واستنكارهم إلى مسيرة جماعية. كان هذا الإهمال بمثابة القشة التي كسرت ظهر البعير
 

ردًا على الاحتجاجات، سارع وزير الصحة إلى الموقع، وأصدر قرارات مستعجلة : تفتيش الهياكل، إقالة مدير المستشفى، اتخاذ إجراءات تأديبية. لكن هذه الإجراءات لم تكف لتهدئة الغضب. السكان لم ينتظروا فقط عقوبات، بل حلولًا هيكلية : أطباء أكثر، تجهيزات أفضل، أسرّة أكثر، واهتمام أكبر، ما كشفته اللجنة لم يكن جديدًا : الغياب المتكرر، نقص الأدوية، المعدات القديمة،  هذا واقع يواجهه آلاف المغاربة يوميًا في مدن أخرى، أكادير كانت هذه المرة مجرد مرآة مكبرة لمرض أوسع.
 

أصبح التناقض لا يطاق. كيف للدولة أن تجد مليارات لإنشاء البنى التحتية الرياضية، للتحضير لكأس إفريقيا أو مونديال 2030، لكنها تتعثر في تجهيز مستشفى إقليمي أساسي؟ في أكادير، السؤال ليس ماليًا فقط، بل وجوديًا: ما قيمة حياة الإنسان ضمن أولويات الدولة؟ عندما تموت امرأة أثناء الولادة بسبب نقص الرعاية، ينهار العقد الاجتماعي برمته. السكان فهموا ذلك وعبروا عن موقفهم: الكرامة تبدأ بالحصول على رعاية صحية لائقة، وليس بالمدرجات الرياضية الجديدة.
 

الأزمة المحلية تعكس معادلة وطنية معروفة. المغرب يعاني من استثمار ضعيف مزمن في الصحة. المستشفيات الإقليمية تفتقر لكل شيء، والمراكز الكبرى مكتظة، والأطباء يهاجرون إلى الخارج بحثًا عن ظروف أفضل. المواطنون يدفعون ثمن الرعاية الصحية غاليًا، في حين أن التغطية الصحية الشاملة الموعودة غير مكتملة وضعيفة التمويل. خلف الأرقام والشعارات، واقع صعب: الدولة تكافح لضمان الأساسيات، والفوارق في الوصول للرعاية تضعف الثقة العامة.
 

بالنسبة لعزيز أخنوش، تأتي الأزمة في أسوء توقيت. الرجل الذي بنى جزءًا من صورته على تطوير أكادير، مدينته الحصن، يجد نفسه أمام غضب شعبي قد يهز رصيده السياسي قبل انتخابات 2026. طموحاته واضحة: الصحة، التعليم، الفلاحة، وأكادير كواجهة لمشروعه. لكن كيف يقنع أن بإمكانه تحويل البلاد بينما الواجهة نفسها مشوهة؟ النقد يزداد، والحديث عن وعود رقيقة وغير صادقة، والفجوة بين الشعارات والواقع تكبر.
 

أخنوش يعلم أن الصحة ستكون أحد مفاتيح 2026. ربما أكثر تأثيرًا من التعليم أو الفلاحة، لأنها تمس الحياة مباشرة. تحويل الصحة إلى محور حملته يعني المخاطرة بردة فعل قوية إذا لم تتحقق الإصلاحات الموعودة. غضب أكادير يبعث رسالة تحذير : لم يعد كافيًا إطلاق مشاريع أو تخصيص ميزانيات، بل يجب تقديم نتائج ملموسة، تظهر في حياة المواطنين اليومية. وإلا، ستتحول عدم الثقة إلى عقوبة انتخابية.
 

في العمق، ما يحدث في أكادير يتجاوز الصحة. المسألة تتعلق بمصداقية الحكم نفسه. المواطنون لم يعودوا يصدقون الخطابات الكبيرة عندما تتناقض مع واقعهم اليومي. هل يمكن للمغرب أن يستمر في بناء الملاعب دون بناء المستشفيات؟ هل يمكنه السعي للتألق الدولي بينما يموت مواطنوه لعدم توفر الرعاية؟
 

الجواب يُصاغ اليوم في شوارع أكادير، وقريبًا في صناديق الاقتراع لعام 2026. لكن الحل الأمثل هو تحقيق الاثنين معًا: تطوير المدينة وتحسين الصورة، بمعنى تقديم الرعاية الفعلية للمواطنين مع الحفاظ على مصداقية الصورة السياسية


أكادير، أزمة الصحة، مستشفى الحسن الثاني، وفيات النساء الحوامل، قطاع الصحة العمومية





الخميس 18 شتنبر 2025
في نفس الركن